سورية

خطة الجولاني لإفشال أستانا واحتواء الأحرار: مغازلة الدول الداعمة والهيمنة على إدلب وإعلان حكومة

| عبد الله علي

لا يقتصر القتال الذي اندلع بين «هيئة تحرير الشام» و«جند الأقصى» على كونه «فتنة جهادية» جديدة بين «إخوة المنهج»، بل هو أوسع من ذلك بكثير. وقد لا يكون من قبيل المغالاة وصفه بأنه خطوة تمهيدية من «الهيئة» حديثة الولادة التي تهيمن عليها «جبهة النصرة» للكشف عن خفايا مشروعها الجديد الذي يهدف إلى قلب المعادلة الميدانية عسكرياً وإجهاض أي مسعى سياسي سواء في أستانا أو جنيف. وقد تتضح الصورة أكثر إذا جرى الربط بين ما يجري في الشمال وما يجري في الجنوب على صعيد المعركة المفاجئة للسيطرة على حي المنشية، والتي لم يعد ثمة شك أن «الهيئة» تشكل رأس الحربة فيها. وعلمت «الوطن» من مصدر إعلامي مقرب من «جبهة النصرة» أكّد أنه اطّلع بنفسه على وثائق الخطط الموضوعة لتغيير المشهد السياسي والعسكري في مناطق النفوذ المتمركزة حالياً في إدلب وريف حماة، وأنّ القتال ضد «جند الأقصى» هو خطوة ضرورية اتخذتها «هيئة تحرير الشام» من أجل تكريس نفسها كتيار وسطي يقف في منتصف الطريق بين من تسميهم «أهل الغلو والتكفير» والمقصود بهم «داعش» ومن يسير في ركابها، وأهل التمييع والإرجاء والمقصود بهم التيار السياسي في «أحرار الشام» وجميع المليشيات التي شاركت في أي عملية سياسية مع النظام السوري. وتريد «الهيئة» من وراء ذلك تحقيق عدة أهداف: أولها إفهام جميع الميليشيات التي تنتمي إلى أحد التيارين السابقين أنها (أي الهيئة) ستكون محور أي نشاط عسكري أو سياسي، وإلا فستكون نهايته الفشل. كما تريد توجيه رسالة إلى الدول الداعمة مفادها أن المليشيات التي تقدمون لها الدعم غير قادرة على تنفيذ توجيهاتكم وأجنداتكم على الأرض، وأنه لا حلَّ سوى بتوجيه الدعم إلى «الهيئة» مع القبول بالتعامل معها بنديّة كاملة وليس بمنطق التابع والمتبوع، بمعنى تحقيق مصالح الدول الداعمة لكن بما لا يناقض تنفيذ المشروع الخاص بالهيئة. وثمة من يأمل ضمن «الهيئة» أن تكون بعض الدول المعنية قد فهمت فحوى الرسائل الموجهة عبر إشعال المعارك المتزامنة في الشمال ضد «الجند» وفي الجنوب ضد الجيش السوري، خاصة تركيا والسعودية. ويشرح المصدر ذلك بالقول: إن من مصلحة تركيا دعم أي عمل عسكري ضد النظام في محافظة حماة لأن من شأن ذلك أن يزيد أوراق القوة بيدها على طاولة المفاوضات، كما أنه من مصلحة السعودية قلب الطاولة على المساعي الأردنية لاستنساخ تجربة «درع الفرات» في الجنوب بالتعاون والتنسيق مع الطرف الروسي. وشدد المصدر على أنه بالرغم من برودة العلاقة بين «جبهة النصرة» وهاتين الدولتين مؤخراً بسبب المتغيرات الدولية، إلا أن «جبهة النصرة» التي تهيمن على «الهيئة» لا تعتبر أياً من هاتين الدولتين عدواً وهي مستعدة لتفعيل التنسيق معهما لكن ليس وفق صيغة التعامل مع باقي الميليشيات القائمة على أساس التبعية. ويفترض بعد نجاح «الهيئة» في استئصال «جند الأقصى» أن تباشر فوراً في وضع خطة الهيمنة على محافظة إدلب وريف حماة موضع التنفيذ وفق سيناريو يأخذ بالحسبان ضرورة التقارب مع «حركة أحرار الشام» بأي ثمن. ووصف المصدر الذي تحدث إلى «الوطن» هذه الخطة بأنها ستكون بمنزلة انقلاب كامل في المعادلة التي فرضت منذ هزيمة حلب والتي لم تكن لتحدث لولا ترتيب متفق عليه بين بعض الجهات الاقليمية والدولية، حسب قوله. وتتضمن خطة الهيمنة على إدلب وريف حماة عدة خطوات أهمها تكوين «نواة دولة أو إمارة» تسحب البساط من تحت أقدام جميع الهيئات السياسية الممثلة للمعارضات السورية ولاسيما الحكومة المؤقتة والائتلاف ووفود التفاوض التي ستجد نفسها لا تملك أي تمثيل أو تأثير إلا في مناطق سيطرة «درع الفرات»، وهي مناطق صغيرة المساحة غير صالحة لاستخدامها على أي طاولة مفاوضات. ويكون من شأن ذلك فرض «الهيئة» نفسها رقماً صعباً في أي معادلة قادمة، وهو جوهر ما يسعى إليه أبو محمد الجولاني من وراء مختلف الإجراءات التي أقدم عليها مؤخراً بدءاً من فك ارتباطه مع «القاعدة» وصولاً للاندماج والتخلي عن منصب القائد العام لمصلحة أبي جابر الشيخ الذي يبدو أن مهمته الأساسية ستكون محاولة إعادة بناء جسور العلاقة مع الدول الداعمة ولا سيما تركيا والسعودية. ومن نافلة القول أن أبو جابر على معرفة تامة بقنوات الاتصال مع كلا الجانبين منذ أن كان قائداً عاماً «لأحرار الشام» وسبق له زيارة المملكة السعودية لأداء العمرة حسب ما ذكر في حينه.
والخطوة الثانية في الخطة الموضوعة للهيمنة على محافظة إدلب واحتكار القرار السياسي والعسكري للمليشيات المسلحة، هي تشكيل «حكومة خدمية» من دون أن يعلن عن طابعها الإسلامي، تكون مهمتها العاجلة هي جمع أكبر عدد من الكوادر والخبرات في الاختصاصات المتعلقة بالقضايا الخدمية كالماء والكهرباء والطرق والشؤون الزراعية والثروة الحيوانية، وذلك بهدف محاولة استقطاب شريحة واسعة من الحاضنة الشعبية في المنطقة.
وفي هذا السياق، علمت «الوطن» من مصادر محلية في محافظة إدلب، أن بعض هذه الإجراءات وضعت موضع التنفيذ حيث تم توزيع المكاتب حسب الاختصاصات كما يجري التعاقد مع الكوادر سواء من داخل منتسبي «الهيئة» أو خارجها، وأن التعاقد تضمن تعهداً من «الهيئة» بإعطاء صلاحيات واسعة لهذه المكاتب.
والخطوة الثالثة تتعلق بتبييض سجون «جبهة النصرة» وسجون جميع المليشيات المشاركة في تشكيل «هيئة تحرير الشام» وذلك لنفس الهدف المتعلق بمحاولة إعادة الثقة مع شريحة من الحاضنة الشعبية.
وقد يكون التحدّي الأكبر الذي سيواجه طموحات الجولاني هو موقف «أحرار الشام» من هذه الطموحات، وهو ما يدركه الجولاني جيداً لذلك سارع إلى عقد مباحثات مع «أحرار الشام» لفرض التهدئة ومنع الخلافات بينهما أن تتحول إلى صراع مسلح. وأكثر من ذلك، فإن الجولاني يأمل أنه بعد حوالى شهرين عندما يتم القضاء على «جند الأقصى» وهو عدو «أحرار الشام» الأول، وبعد أن تباشر «الحكومة الخدمية» نشاطها وتلمس «أحرار الشام» تأثير ذلك في الحاضنة الشعبية، لن يكون أمامها أي ذريعة لرفض الانضمام إلى «الهيئة». وحتى إذا رفضت الانضمام فإن مجمل الإجراءات السابقة ستكون كفيلة بتضييق الخناق على «التيار السياسي» فيها بقيادة الأخوين النحاس «لبيب وكنان» وهما من تعتقد «النصرة» أنهما يقفان وراء انبطاح «أحرار الشام» أمام الرغبات التركية من دون أي ثمن مقابل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن