ثقافة وفن

سنرجع يوماً.. سنرجع غداً…

| إسماعيل مروة 

الفرق بين التعبيرين واسع، فمع أننا نردد يوماً وراء يوم سنرجع يوماً، إلا أننا لا ندري ما فيها من خمول وضعف واستكانة، فمن يردد يومياً انه سيرجع يوماً، لن يرجع أبداً، لأنه جعل اليوم فكرة لديه، واعتمد المصادفة البحتة، فقد يجد ما يسعى إليه، وقد يذهب إلى ما يريد، وقد ينتظر الشيء أن يأتيه، وفي كل الحالات المصادفة لا تصنع شيئاً، ولا يمكن أن تعود بشيء تركته يتسلل من بين أصابعك كحبات الرمل الجاف!.
الأمل الغد، والاعتماد على ما سيكون لن يصنع غداً أو مستقبلاً، ولن يساعد في حصول حدث على الاطلاق، واعتماد صيغة الاستقبال مع التفكير يجعل ما نتحدث ممكن الحصول، ويجعله غير ممكن الحصول أيضاً، ويدخله في اطار الغيبيات، ويدخلنا في إطار التسليم لاستبداد اللفظ والشعور الذي رفضه الكواكبي قبل قرن من الزمن! فكل أمورنا يجب أن تحمل صفة العمل والحزم والحسم والصرامة، وإن تحلينا بالدبلوماسية والبراغماتية واللطف، سواء أخذناه عن أهل أو أعمام وخؤولة، وأعلى درجات الرقي أن يتصف اللطف بالحسم والحدية التي لا تقبل تأويلاً أو تسويفاً أو استقبالاً.
فمنذ قرون طويلة، ونحن نأمل على المستوى الجمعي أن شيئاً سيحدث ولا نكتفي بذلك، بل نورثه لأولادنا والأجيال التي تلي، ولم يعد أحد ليخبرنا بحصول ما حصل، ولم نقتنع بأن الزمن لا يرجع إلى الوراء، وبأن الطهر إن تلوث لن تجدي معه كل الاستغاثات وتوابعها، لم يخرج أحدنا ليقول لأولاده ما قاله الإمام علي كرم الله وجهه «عش لدنياك كأنك تعيش أبداً، وعش لآخرتك كأنك تموت غداً» وكل من قدم هذا القول قدمه من باب الزهد، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق، فالحياة ليست كما يزعم الفقهاء بأنها عمل للآخرة، ولو كانت كذلك لبقينا في الأرحام وفي الأرض، ولكن إعمار الأرض غاية وعبادة، والعيش الأبدي الذي تخيّله الإمام علي ويطلبه منا غايته إعمار الأرض والعمل والجد، ووضع بصمات إنسانيتنا وجهدنا لا زهدنا، وترقب الموت يجعلنا طاهرين أنقياء غير مؤذين، نأخذ حقنا ونترك حق الآخر، والحديث يطول في هذا القول الذي قد يستغرق مجلدات منا… ونحن اليوم في قلب الأزمة العاصفة، وفي قلب الحرب، الخطر يتهددنا ويريد ابتلاعنا، وابتلاع وطننا الجميل، لم ندرك أن نكون حزمة مجتمعة في وجه العاصفة، في قلب الحرب نجد السياسة العامة حتى لدى المعنيين بشؤون الناس تعتمد العدوانية والآحادية، كل واحد يريد نفسه ووجاهته، كل واحد يبحث عن عنجهيته، ولا بأس عنده من أن يبقى فرداً في ميدانه، فالأستاذ هو الوحيد، والفقيه هو النحرير وحده والشيخ هو وحده، والمطران وحده، والمدير وحده، والوزير هو المخلص، وهكذا تستمر لعبة الأنا في وقت يجب أن نجتمع فيه على قول الإمام في الأبدية، وفي الحرب لا تكون الأبدية إلا بالتكاتف، ولا يظن أحد أنه بمنجاة بعد هدوء العاصفة، فالعاصفة غايتها الوطن، واستطاعت نزعة الإقصاء أن تفعل فعلها، فمهما كنت وأنت في الوطن فستعامل على أنه يجب التخلص منك من أعداء الوطن، وعندما يتم التصعيد ضد الوطن ستكون هدفاً للآخر الذي يترصد بالوطن وإنسانه.
وعلى الصعيد الفردي شاعت نظرية الخلاص الفردي، ولكن هذا الخلاص يجب أن يكون إيجابياً، ليس على حساب الآخر الشريك الذي اجتمع به.. هل نتخيل أن بعضهم يريد استباحة أي شيء! وجه مجدور، ونتن روح، ويريد أن يصبح رومير، ويريد أن يصبح كارلوس، ويريد أن يصبح في كل مكان، والمشكلة أنه يصدق نفسه، وكل من لا يراه كذلك هو ضد الوطن! هو عميل!.
أخفق أحدهم في كل شيء، درس مصادفة، وابتعث مصادفة، وتسنم مصادفة، والويل لمن لا يراه أهم واحد في الكون، على دمامة روحه ولصوصيته!.
وبعد هذا يأتي أحد الكسالى المتواكلين ليقول: سنعود يوماً! متى هذا اليوم؟ بعد أن تخرج العلقة لتمتص دماء الأطهار؟ بعد أن يلوث النتن ماء بردى والعاصى والسن؟ بعد أن يعد القذر نفسه آلان ديلون ويريد لكل نساء الكون أن تعشق قذارته؟ بعد أن يدفع المتمسك بأرضه وسوريته كل شيء؟ بعد أن يستطيع أشباه الناس التربع على مقادير الناس؟.
سورية برموزها من علم وقائد ونشيد لا يجوز أن يسمح بالمساس بها، فهذه خطوط لا يجوز تجاوزها، لأنها تمثل الوطن، وأرضه وجيشه وشرفه، وأي مساس بها هو مساس بالوطن..
ما تبقى من سورية كثير، ووحدها سورية كثيرة بأهلها وناسها وخبراتها من غربها إلى الشرق، ومن شمالها إلى الجنوب، من الناقورة إلى لواء إسكندرونة، وسورية التي صنعت الأبحدية لا تعرف الاستحالة، وهي التي أوجدت الغد ليشرق عليها من جديد..
لنستبدل سنرجع يوماً.. ليكون سنرجع غداً.. وليبدأ الغد مع مقدسات سورية ببناء سورية الغد والجمال والوطنية، والمواطنة، لنبدأ في الغد، وتصبح كل المخططات المرسومة وراء الظهور، فلا أهمية لمشاورات ومكان إن لم يكن منطلقه سورية ومسلماته، التي تمثل خطوطاً لا يمكن تجاوزها.
من حق السوري أن يبدأ حياته كما يريد، كما رسمها، كما يحبها، وأن يبدأها غداً وليس يوماً ما! فقد دفع ثمنها دماً وتعباً ومحاولات استباحة لم تتوقف يوماً، ولولا السوري الذي لا يعرف الكسل لم تستطع سورية البقاء خلف حكومتها وقيادتها، فلنعمل من أجل سورية والسوريين غداً لا يوماً ما، ولنعمل على إزالة الطحالب والكسالى الذين يتغذون على ظرف طارئ فاسد.
سنرجع غداً.. والغد قريب بسوريتنا وهويتنا لأننا نعيش الأبد في سوريتنا..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن