ثقافة وفن

عبد الرحمن الكواكبي.. وأسئلة النهضة لمفكر ضيّعه أهله ولم يستثمروه … توفيق الإمام: الكواكبي ناضل ضد العثمانيين وجرائمهم كما نفعل نحن في مواجهة العثمانية الجديدة

| ‏سارة سلامة

برعاية السيد وزير الثقافة الاستاذ محمد الأحمد وفي ظل تسليطها الضوء على الأعلام في تاريخ سورية، وضمن فعالية الأربعاء الثقافي كان لابدّ لوزارة الثقافة من الإضاءة على نجم سطع اسمه في عالم المعرفة والنهضة ومناوأة الاحتلال العثماني، عبد الرحمن الكواكبي الذي يعد من أبرز رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي، وكان دائماً سبيلنا لنهضة عربية وقومية ونهضة وطنية وإنسانية، حيث عقدت ندوة الأربعاء الثقافية الشهرية بدورتها الثانية وذلك بمشاركة باحثين وأدباء في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد الوطنية، تحت عنوان «عبد الرحمن الكواكبي وأسئلة النهضة»، تناولت أسئلة تراودنا إلى يومنا هذا وتم طرحها بجرأة لافتة، وتأتي أهمية هذه الأسئلة لأنها تصدر عن مفكر كان متقدماً على زمنه وعصره.

مواجهة الفكر الظلامي
وبيّن معاون وزير الثقافة توفيق الإمام في تصريح صحفي «أن هذه الفعالية تأتي ضمن نشاطات الوزارة في ظل الحرب على سورية لتأكيد قدرة المثقف السوري على الإبداع ومواجهة الفكر الظلامي، مشيراً إلى أن اختيار شخصية الكواكبي عنواناً للندوة هي بمنزلة تكريم لهذا المفكر الذي كافح وناضل ضد الاحتلال العثماني وتصدى لجرائمه كما نفعل نحن اليوم بمواجهة الحملة العثمانية الجديدة وعلى رأسها أردوغان.

سابقاً لعصره
أعد الندوة وأدارها الدكتور إسماعيل مروة الذي افتتح الندوة بالقول: «رغم أن عبد الرحمن الكواكبي شخصية إشكالية ولكنه لم يحصل على الحيز المعرفي المناسب في مناهجنا التدريسية الذي يليق بدوره المهم، ولاسيما أنه يمثل رمزاً للفكر المتنور الذي يسعى لمأسسة بناء الدولة وليس مجرد إنسان يقول عاطفة هنا أو رأيا هناك، واستحضار فكرة فيها الكثير من الصحة لنرى مقياس ما تقدمنا نحن خلال قرن من الزمن، ومقدار ما عدنا إلى الوراء في قضايا مهمة لدى الكواكبي الحكم، الاستبداد، الدين، الشرق، الغرب».
وأضاف مروة إن الكواكبي كان سابقاً لعصره كما وصفه الأديب عباس محمود العقاد حيث طرح عبر كتابيه أم القرى وطبائع الاستبداد، آراء عميقة بعيداً عن لغة الشعر والخطابات وقدم فكراً مؤسساتياً يؤسس للدين وللإنسان ولبناء الدولة وفتح آفاقاً جديدة أمام القارئ العربي، مبيناً أن الكواكبي الذي دفع حياته من أجل آرائه، أرجح الروايات تقول إنه مات مسموماً من السلطة العثمانية التركية، لأفكاره النهضوية المناوئة والرافضة للحكم العثماني». ‏
وحاضر في الندوة الأستاذان الناقدان د. راتب سكر، ود. عبد الكريم حسين وقوفاً على ما تستدعيه أسئلة النهضة وخطابها فيما تركه الكواكبي من أثر.

جذور النهضة العربية
وتحدث الشاعر والأديب الدكتور راتب سكر في مداخلته عن مكانة الكواكبي كأحد مفكري القرن التاسع عشر الذين أسسوا لجذور النهضة العربية وواجهوا الأسئلة الكبرى التي طرحها مشروع النهضة العربية في ظل معوقات عانتها كالضغوط الخارجية مبيناً «أن الكواكبي بمؤلفاته ولاسيما طبائع الاستبداد يشكل انطلاقة للمستقبل، وإعادة التفاعل مع الواقع العربي لأنه دعا للتصالح مع المكونات الاجتماعية».
رأى سكر أن من الأهمية بمكان العودة إلى التراث الثقافي والفكري للمفكر المعروف عبد الرحمن الكواكبي، لأن «هذا التراث يشكل نافذة على مرحلة مهمة من التاريخ الثقافي الفكري العربي، بل العالمي، في القرن التاسع عشر الذي عاش فيه الكواكبي معاصراً كوكبة من المثقفين العرب الكبار، رفاعة رافع الطهطاوي، الشيخ محمد عبده، وأبناء عائلة المراش الحلبية، وغيرهم، هذه المواكب من المثقفين أسست جذور النهضة العربية التي أينعت بهم طوال القرن التاسع عشر وسلمت لأجيال المثقفين منذ مطلع القرن العشرين الجمرة التي حاولت كف كل مثقف من المثقفين القبض عليها وعلى دلالاتها ومعانيها، مواجهة المآل الذي آلت إليه أسئلة النهضة الكبرى في العقود الماضية». ‏
وأضاف سكر إن «تلك الأسئلة تواجه اليوم مرحلة شديدة التعقيد ما يستدعي إعادة الحوار مع هذه الأسئلة الكبرى للنهضة العربية في القرن التاسع عشر من جهة، ولإعادة النظر إلى ما أنجزه هذا القرن ممثلاً بعطاء ممثليه الكبار وفي مقدمتهم الكواكبي من جهة أخرى، لأن هذا العطاء لا يشكل مصالحة مع انطلاقة النهضة فقط، وإنما يشكل ترتيباً لإعادة الاتفاق حول المستقبل». ‏
وبيّن سكر أن كتابي الكواكبي «طبائع الاستبداد، أم القرى»، يشكلان ليس فقط مصالحة مع أسئلة النهضة وإعادة ترتيب البيت والانطلاق إلى الغد والمستقبل، وإنما إعادة التفاعل مع الواقع العربي المعاصر، لأن هذا الواقع يلح على تلك الأسئلة مكوناً جوهرياً على مائدة التفاهم معه ومع مكونات شجنه وعذابه التراجيدي الكبير».

تصحيح مفاهيم الدين
وأكد الأديب والروائي د. حسين عبد الكريم خلال مداخلته «أن الكواكبي مفكر عربي رأى أمته ترزح تحت نير الاحتلال العثماني فأراد تحقيق نهضتها عبر تصحيح مفاهيم الدين في عقول الناس وإيقاظ الشعور الوطني كما فعل في كتابه أم القرى داعياً إلى الخروج من الانتماءات الضيقة للانتماء للأوطان وإلى الاستفادة من فكر وثقافة الآخر لتحقيق النهضة وتوظيفها بصورة تناسب حضارتنا بمنطقتنا فضلاً عن تأكيده دور المؤسسات العامة التي تخدم الجميع ولها دلائل في التشريع الإسلامي كما قدم مفهوماً جديداً للجهاد بأن معناه أن يعمل الفرد للصالح العام لا يبتغي به أجراً».
وأضاف عبد الكريم: «إن الكواكبي كان يرى أن الطريق إلى النهضة يبدأ من حيث بدأ الغرب والأوروبيون في خروجهم من الشرانق الضيقة إلى الحياة العملية، ومن هنا أراد أن يستفيد من ثقافة الآخرين وتوظيفها توظيفاً يليق بمنطقتنا، كما واجه الذين يخافون من الغرب، بأن الغرب لديه قانون مدني ولا يسأل المرء عن دينه ولا عن قوميته، وإنما يسأل الإنسان عما يحسن ما ينفع الناس، وكان يرى في الاشتراكية أو المؤسسة العامة التي تخدم الحي والمنطقة أنها المؤسسة التي يجب أن يعزز وجودها». ‏
وكانت هناك مداخلات غنية للاستاذ الدكتور محمود السيد مدير عام هيئة الموسوعة العربية، الذي تحدث عن الكواكبي ورحلته الفكرية ونهايته مسموماً على أيدي عملاء السلطة العثمانية، وذكر ما قاله عن الشاعر حافظ إبراهيم في أبيات مثبتة على قبره، وكذلك تحدث الاستاذ الدكتور سليم بركات عما يمثله الكواكبي بين أدباء النهضة ومفكريها مفصلاً في آرائه بالاستبداد والنظرة إلى الدين

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن