اقتصاد

استدراك رقمي

| علي هاشم

يكاد المرء يصاب بالدوار حين يستعيد الفرصة الرقمية التي فوتت على سورية والسوريين، ففي الوقت الذي سجلنا فيه حضورا رياديا في شبكات الجيل الثالث على مستوى الشرق الأوسط عام 2006، ها نحن اليوم نعوم في محيط ضبابي ضمن معادلات الاقتصاد الجديد المنشغل بتعزيز الجيل الخامس على مستوى الإقليم.
لا معلومات دقيقة حول الخسارات التي تكبدها اقتصادنا في/ ومن خلال، قطاع المعلومات والاتصالات، وهو رقم ليس بالقليل رغم عدم وضوحه في البيانات الاقتصادية الكلية ما قبل الموجة الوهابية التي ضربتنا نظرا لتخفّيه بين حدّي البيئتين التنظيمية والاقتصادية، ولعدم اكتمال تصورات مشاريعه الكبرى التي ارتكزت في إيحاءاتها إلى أهمية الجغرافية السورية كعقدة ربط إقليمية قارّية، ومنها فضاء البحار الخمسة الذي يرى سورية كميناء اتصالات تعبر من مليارات المعاملات الاقتصادية سنوياً.
ذهبت تلك الأيام، ولربما كان ذلك «الميناء» أحد الأهداف الجوهرية لحرب الأدوات التي شنّت على سورية بـ«معيّة» عملاء ومرتزقة، ولأن للجغرافية كنهها القدرويّ، فطالما فشلت أهداف الحرب عليها، فستبقى الفرصة متاحة لإعادة البناء فوق أحلام أعدائها، لكن دون ذلك حد أدنى من الجهوزية الرقمية، الرؤيوية على الأقل، كتمهيد بنيوي لا غنى عنه في إعادة الإعمار.
خلال الأسابيع الماضية، ذهبت مؤسساتنا المختلفة، إلى إعلان رزمة من المشاريع الرقمية، من المصرف المركزي إلى وزارات المالية والنفط وصولاً إلى التجارة الداخلية والزراعة.. وحدهما وزارة الاتصالات وهيئة تخطيط الدولة، المعنيّتان الأساسيتان موضوعيا بأي إستراتيجية رقمية، بقيتا خارج الأوركسترا! ولئلا نعود إلى سابق حفلاتنا المعهودة، فقد يكون من المناسب اليوم تنطّح كلتا الجهتين للبحث في دفاترهما القديمة ووضع تصوراتهما المشتركة للخروج بإستراتيجية وطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تأخذ بالحسبان مستجدات الحرب، وآليات النهوض بالواقع الرقمي لمؤسساتنا وتهيئتها لمرحلة ما بعدها، استناداً إلى الدور الهيكلي السوري في الفضاء الإلكتروني الإقليمي المتوقع.
لمثل هذا الجهد أن يبعث برسائل مهمة حول قدرة الحكومة على العمل تحت الضغط الهائل، كما يؤسس لتبريد واحدة من أهداف الحرب التي حاولت إعادة سورية لما قبل التاريخ الرقمي، عبر حرب مضادة تقطع نهائياً مع محاولات إزاحتها حضاريا لحساب كيانات تجد في تحالفها اليوم سبيلا وحيدا للوقوف أمام القطار السوري المتوقع اندفاعه، والأهم، أنه سيكون بمثابة ركيزة أساسية ترأب التفاوت الكبير بين جهوزية المؤسسة الوطنية وبين المؤسسات الصديقة والشقيقة التي ستتدفق خلال مرحلة إعادة الإعمار، وما يستتبعه ذلك من كلفة تنموية واقتصادية، وأزمنة -عزيزة- أيضاً.
الحكومة تدرك جيداً أن الانتظار السلبي اليوم لن يقلص بأي حال من الأحوال ما يجب عمله في المستقبل، فالكتلة الكبيرة من الجهود التي يجب بذلها لتجاوز عتبتنا الرقمية متزايدة الارتفاع، لن تتقلص من تلقاء نفسها كما لن يجدي نفعا تركها التطور العفوي، فزيادة عن العطالة التقليدية، أفرزت الحرب تحديات طارئة أمام منظومتنا الاقتصادية ما لبثت أن تحولت مع الأيام إلى عوائق ذاتية مديدة التأثير ستستمر بجذبنا إلى الوراء في المدى المنظور. وعلى أهمية الاستدراك الرقمي الذي ساور بعض مؤسساتنا مؤخرا، فهو ينتمي إلى حلول الخطف خلفاً التي تستوجب الحد الأدنى من التناغم في رسم خطوط بدايتها، وذلك لن يكون، ما لم تنخرط «الاتصالات» و«هيئة التخطيط» جدياً باستنهاض جميع خبراتنا الوطنية لرسم ملامحه الكلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن