ثقافة وفن

في غياب العاطفة

 د. اسكندر لوقا : 

 

العواطف البشرية كما أعماق البحار لا ترى بالعين المجردة، ولكن كلما اقترب منها خبراء الغوص ازدادت قربا منهم واتضحت تفاصيل أمواجها وما تختزنه من أنواع الأسماك صغيرها وكبيرها وذلك على نحو السائر في الصحراء تزداد حبات الرمل وضوحا أمام عينيه كلما ازداد اقترابا منها وإن بدت له للوهلة الأولى بحيرة ماء تشده إليها. في ضوء هذه الرؤية يمكن أن يندرج القول بإمكانية اكتشاف العاطفة البشرية، أي بالمزيد من الاقتراب منها وحسن قراءتها بشفافية.
إن رصد العواطف البشرية بشفافية عملية تتطلب الكثير من بذل الجهد، كما الوصول إلى أعماق البحار وقمم الجمال الشاهقة، بحيث لا يصل إليها سوى أصحاب الخبرات والتجارب التي خاضوها قبل بدء المغامرة. العاطفة بهذا المعنى تستجيب لمن يمتلك الرغبة والجرأة معا. ومع هذا ثمة أبعاد لا ترى أو لا يمكن الوصول إليها سواء في أعماق المحيطات أوفي أعالي الجبال لتعذر الوصول إليها بالإمكانات المتاحة في حينه.
على غرار هذه المعادلة، ثمة أناس لا تمتلك القدرة على اكتشاف نوازعهم بغية التواصل معهم على الرغم من صدق عواطفك حيالهم لأن أبواب عالمهم الداخلي تبقى موصدة بأيديهم، ومن هنا ثمة من لا تستطيع الاقتراب منه وإن كنت حريصا على احتضانه بعاطفتك الصادقة حياله، فقط لأنه لا يؤمن بعلاقة شفافة بين الناس وخصوصاً في الأزمنة التي تنهار فيها القيم لسبب أو لآخر، وتسود نزعة الأنانية عند الناس وتغيب نزعة الغيرية تماماً.
العاطفة الصادقة التي يمتلكها الإنسان تجاه أخيه الإنسان، تكاد تكون منسية في الوقت الراهن، لأن كثيرين لم يعودوا يمتلكون القدرة على الوثوق بالآخر. وهذا ما زاد من تفاقم بعد المسافات بين الإنسان وأخيه الإنسان، وإن يكن ذلك قد حدث من دون علمه في نطاق أزمة يعاني منها وبالتالي لم يعد قادرا على تجاوزها، بعد أن تبلدت عاطفته وأحياناً حتى تجاه أقرب الناس إليه، ولا يستطيع أن يجد تفسيرها لما اعتراه من ذهول أمام ما يرى أو يسمع أو يشاهد في وسائل إعلام المحنة الراهنة.
أحياناً ينوي أحدنا أن يحتبس عاطفته بإرادته، وأحياناً كثيرة تدعوه حالة من حالات النفس القلقة لاحتباسها، وبذلك لا يكون للعاطفة أي دور تؤديه وخصوصاً تجاه الغير. هذا المعنى، على وجه التحديد، يمكن أن يوضحه قول مارسيل جوهاندو أفضل كتاب النثر عرفته فرنسا: «عندما لا يكون للعاطفة شيء يمكن أن يوضَّح، لا يكون هناك شيء يستحق معرفته». وهذا ما لم نكن يوماً نتمنى الوصول إليه ولكن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن