قضايا وآراء

بدعة المناطق الآمنة «التوافقية»

| صياح عزام

فكرة ما تُسمى بـ«المناطق الآمنة» في سورية، طُرحت منذ بضع سنوات، وهي فكرة تمهد لتقسيم سورية، وخاصة أن الداعين إليها يريدونها أن تكون تحت حراسة دولية وأجنبية بحجة حماية المدنيين، هذا مع العلم بأن المدن السورية استوعبت وما زالت كل من هجر من بيته على يد الإرهابيين، ومَنْ أتوا إلى هذه المدن يعيشون بأمان واطمئنان، ولم يتعرضوا لأي نوع من الإذلال والمهانة، مثلما تعرض له أمثالهم في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن، علاوة على أن الدولة السورية- رغم الأعباء الثقيلة التي تتحملها بسبب الحرب الإرهابية المفروضة عليها- أمنت لهؤلاء الهاربين من الإرهاب كل وسائل المعيشة والراحة، وبالتالي، فإن هذه المدن السورية هي أكثر أمناً بآلاف المرات من مخيمات الإذلال في الدول المجاورة وتبين في نهاية المطاف أن مخيمات الإذلال هذه خصوصاً في تركيا أقيمت عمداً بتخطيط مسبق لانتزاع السوريين المتجذرين في أرضهم ووطنهم.
والآن يأتي الإلحاح عليها من تركيا، مع إعلان السعودية وقطر عن استعدادهما لتمويل هذه المناطق، والدعوة إلى فرضها على سورية بالقوة لتحقيق هدف رئيسي وهو أن تكون هذه المناطق المسماة «آمنة» منصات انطلاق لفعل عسكري إرهابي لاحق يستهدف المدن السورية مثل حلب ودرعا ودمشق، إذاً هذه الفكرة ملغومة، وتكمن خلفها أجندات ومصالح إقليمية وأجنبية تقود في نهاية المطاف إلى تقسيم سورية..
هذا هو بيت القصيد أو بيضة القبان كما يقال، وليس الهدف منها حماية المدنيين في سورية، لأن حماية المدنيين تكون بوقف دعم المجموعات الإرهابية المسلحة من دول معروفة.
وإمعاناً في التآمر على سورية، راح الداعون لإقامة المناطق الآمنة يُنظرون بأنها يمكن أن تكون «توافقية»، بمعنى أن يتم الاتفاق على إقامتها بين الدولة السورية ومجموعات إرهابية مسلحة توصف بـ«المعتدلة» بما يقلل من الاعتماد على الخارج في توفير شبكة الأمان لها، أو أن تتم الاستعانة بروسيا لتقديم ضمانات وطمأنات لمن سيعيش فيها..
الآن، جاء ترامب ليؤكد عزمه على إقامة مثل هذه المناطق الآمنة: واحدة في شمال سورية بحماية تركيا، والثانية في الجنوب السوري بحماية الأردن، مؤكداً في الوقت نفسه، أنه سيتعاون مع روسيا لضرب داعش.
بالأساس، إن طرح ترامب هذا يتعارض تماماً مع قراره بمنع سبعة حاملي جنسيات شرق أوسطية ومن ضمنها الجنسية السورية من دخول الولايات المتحدة الأميركية.
إن الأمر المهم هنا، هو أنه لا سورية ولا روسيا، يمكن أن تقبلا بإقامة هذه المناطق الموصوفة بـ«التوافقية»، لأن فكرة من هذا النوع هي فكرة ملغومة ومفخخة بالنيات الخبيثة التي ميزت مواقف الدول الداعية لإقامتها، فكما عزفت سابقاً، ولا تزال، على وتر «البعد الإنساني» للأزمة السورية، اخترعت الآن المعزوفة الجديدة هذه.
هذا وقد ردت الحكومة السورية على الموقف الأميركي الذي أعلنه ترامب مؤخراً بشأن إقامة المناطق الآمنة، وكذلك روسيا، بأنه لا مناطق من هذا القبيل إلا بالتنسيق مع الحكومة السورية.
باختصار، إن مثل هذا الطرح لإقامة مناطق آمنة وخاصة في الشمال السوري هو مطلب تركي قديم جديد، بحيث يصبح لأردوغان نفوذ فيها يستخدمه لتحقيق أطماعه وأحلامه بسلخ حلب أو جزء منها، وضمه إلى تركيا، علماً بأنه صرح سابقاً تصريحاً أن حلب والموصل من حق تركيا.
أما في جنوب سورية، فستكون هذه المنطقة الآمنة قاعدة انطلاق لأعمال عسكرية تقوم بها المجموعات المسلحة الموالية لإسرائيل بتمويل سعودي قطري.
أخيراً نعود للتأكيد أن المناطق الآمنة قولاً وفعلاً هي المناطق التي فيها الدولة السورية وجيشها، ومن ثم، على كل من يتعرض للإرهاب، أن يلجأ إليها ليجد فيها الحضن الدافئ والرعاية المطلوبة، بدلاً من مخيمات الذل والمهانة التي تقام هنا وهناك..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن