قضايا وآراء

الإدارة الأميركية الجديدة… إلى أين؟

| د. قحطان السيوفي 

بعد أربعة أسابيع على تنصيب الرئيس ترامب، ظهرت الانقسامات والخلافات داخل الإدارة الأميركية، ويبدو أن ما يحصل (تفتّت في القرار) و(صراع مصالح بين مسؤولين) بينما تحدثت صحيفتا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» عن موجة تغييرات وزارية منتظرة بدأت عملياً باستقالة مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين؛ بعد أيام على توليه منصبه، ليصبح صاحب أقصر فترة في هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة.
صحيفة (نيورك تايمز) و(واشنطن بوست) و(وول ستريت جورنال) أشارت إلى حال فوضى وانقسام في البيت الأبيض، وصراع على النفوذ بين أجنحة الحزب الجمهوري.
(ترامب قد لا يكون قرأ كتابا قط في حياته) كما ذكر إدوار لويس في الفاينانشال تايمز في 8/2/2017، ثلاثة مبادئ قد تختصر فلسفة ترامب في الإدارة. المبدأ الأول هو عدم الاعتراف مطلقا بارتكاب خطأ. المبدأ الثاني أن يجعل المنتقدين يدفعون الثمن. من يُغضبْ ترامب، فسيرد له الضربة بأشد عشر مرات. ترامب يُريد أشخاصا يهتفون له وليس نقادا.
المبدأ الثالث هو إخضاع الواقع، أو الإتيان بواقع بديل. بالتالي سيجد الرئيس ترامب نفسه دائماً مدفوعا بإلقاء الشكوك على حكم القانون، وربما يعتمد بعض معارضيه السياسيين حالياً قول نابليون: (لا تتدخل أبدا حين يرتكب عدوّك الأخطاء) العولمة انتشرت من الولايات المتحدة، لكن ترامب بدأ إقرار قوانين للحماية ووضع خططاً لجدران تحد من الحركة، وألغى اتفاقات مع دول أميركا الشمالية وشجع الأوروبيين على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
قراءة متأنية لخطاب الرئيس ترامب في حفل التنصيب، تشير إلى أن بعضه يتعارض مع الدستور والقوانين الأميركية، وهذا أثار استياء في الداخل الأميركي، وخارجه وخاصة ما يتعلق بالأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بحظر مواطني سبع دول من دخول الولايات المتحدة، قيادات عدد من الدول الأوروبية رفضت القرار، واعتبرته سياسات عنصرية بالغة الخطورة، ووصف الرئيس ترامب حكم القاضي الفيدرالي الذي قضى بتعليق الأمر التنفيذي الرئاسي لمنع الهجرة بأنه سخيف وتلك ذسابقة، لأن أحكام القضاء واجبة الاحترام.
بالمقابل تفاعلت عاصفة الاتهامات بين الرئيس ترامب وأجهزة الاستخبارات الأميركية لتصل إلى أزمة ثقة.
وبلغت عملية شد الحبال بين ترامب والأجهزة ذروتها، مع كشف صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب يتجه إلى إجراء مراجعة شاملة لعمل الاستخبارات، ما يثير مخاوف هذه الأخيرة. ويبدو نفوذ البيت الأبيض ضعيفاً ومُضعضعاً أمام المؤسسات الاستخباراتية والقضاء، من جانب آخر، وموقف الرئيس ترامب غير واضح تجاه أوروبا، المنقسمة والمتوجهة إلى حكم الشعبوية والواقفة على شفير تشرذم الاتحاد الذي جمعها.
هذا يُطبَّق أيضاً على الشرق الأوسط والدول العربية الخليجية التي هربت إلى الأمام تكراراً، خوفاً من الاستحقاق أو نفياً لفشل سياساتها.
بالمقابل العلاقة الأميركية الروسية سيكون لها تداعيات على منطقة الشرق الأوسط، وكيفية التموضع على ضوء ذلك، تقارباً كان أو تباعداً، تنافساً أو في إطار صفقة كبرى لم تنضج كلياً بعد، كما أن العلاقة مع روسيا تمر في مرحلة دقيقة. بالنسبة لفلسطين؛ ما قاله دونالد ترامب عن (حل الدولتين) نذير شؤم لمصلحة إسرائيل، لأنها أساساً ترفضه جذرياً…. يبدو أن الأوامر الرئاسية لترامب مقدمة للسياسة التي سيتبعها، وكأنه يريد زعزعة استقرار السياسات والعلاقات الدولية، من خلال التطرف الغارق في اليمينية… ويمكن أن يخلق بؤراً جديدة للتوتر، وتأجيج العنصرية والإرهاب… وتداعيات خطيرة، على المستوين الداخلي والخارجي وعلى الأمن والسلم الدوليين. ترامب يوصف داخل بلاده بأنه «هجومي وشعبوي وانتقامي» وهذه الأجواء قد تدفع إلى تمزيق النسيج المجتمعي الأميركي.
نهج ترامب يهدد الولايات المتحدة بانقسامات جغرافية… وإن لعب أوراقه بتطرف أكثر؛ فقد يدفع بعض الولايات إلى التمرد، وربما إلى الانفصال… وهذا قد يهدد وحدة الولايات المتحدة، آخر رئيس أميركي تجاوز صلاحياته الدستورية هو الرئيس نيكسون في فضيحة ووترغيت. حينها، قام الكونغرس والقضاء بفرض الاستقالة عليه… ترامب، بسلوكه سيواجه بمقاومة متصاعدة من المجتمع، ومؤسسات كالكونغرس والقضاء.
لاشك أن استقالة مستشار الأمن القومي ستعمّق تصدّع إدارة ترامب، وأن الانقسام والتخبط والفوضى تهدد تماسك هذه الإدارة التي قد ينتظرها انتكاسات أخرى على ضوء الأوامر التنفيذية النارية المتوقع صدورها من منبر الرئاسة الأميركية؛ وكأن الرئيس ترامب، يقود سفينة جانحة وسط أمواج صاخبة ليلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن