ثقافة وفن

«قيثارة الغناء العربي» تعود إلى الساحة بعد 15 عاماً من الغياب … نجاة الصغيرة تتعاون مع شعر الأبنودي مجدداً بعد رائعة «عيون القلب»

| وائل العدس

بعد غياب 15 عاماً عن الساحة الفنية وبعد أن كانت طرحت منذ عام تقريباً أغنيتها الوطنية «مين سماكي» والتي شهدت عودتها إلى الغناء، ها هي الفنانة السورية «الأصل» الكبيرة نجاة الصغيرة تهدي عشاقها ثاني أغنياتها وأولى أغنياتها الرومانسية بعد هذه الفترة من الانقطاع.
وتظهر نجاة في الأغنية بمقاطع من أفلامها القديمة مع مزج مناظر طبيعية في الخلفية.
إذاً فاجأت عشاقها وعشاق الفن الأصيل بأغنية جديدة «كل الكلام» بعد انقطاع طويل، ووضعت شركة «مازيكا» فيديو كليب للأغنية.
الأغنية الجديدة من كلمات الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي، وألحان الموسيقار طلال، وتوزيع موسيقا ليحيى الموجي ومن إخراج هاني لاشين.
مراحل العمل في الأغنية من تسجيل الصوت والألحان والوتريات تمت في عدة مواقع واستوديوهات متخصصة بين مصر وفرنسا واليونان.
واقترب الكليب للنجمة الكبيرة من تحقيق مليون مشاهدة، وذلك بعد طرحه على موقع يوتيوب 2 كانون الثاني الماضي.
وتقول كلمات الأغنية: «كل الكلام قلناه.. وادينا زي ما احنا.. لو يوم جميل عشناه.. كانت هانت جروحنا.. حبيبي إنت غاوي.. دايماً تقول كلام.. لو الكلام بيداوي.. ليه حاسة بالألم؟.. كل الكلام قلناه.. إن كان على العتاب.. عاتبتك لما دبت.. لا جرح قلبي طاب.. حبيبي ولا إنت تبت».
عيون القلب

يعد آخر تعاون فني بين الأبنودي ونجاة في أغنية «عيون القلب» التي حققت نجاحاً منقطع النظير وقت إطلاقها.
هذه الأغنية واحدة من أجمل ما غنت نجاة الصغيرة التي تعد قيثارة الغناء العربي ورائدة الغناء الهامس، وواحدة من أفضل وأمتع الأصوات الغنائية التي أطربت بإحساس رائع جمهورها، وخلفت تراثاً حافلاً لا ينضب معينه.
ويتذكر الشاعر الأبنودي قصة خروج «عيون القلب» للنور، ويقول: «عرفت نجاة عام 1964 من خلال بليغ حمدي الذي كان دائماً يصف صوتها وأداءها بالسهل الممتنع، وكتبت لها من تلحينه أغنيتي «مسير الشمس»، و«هتسافر»، وكنت أسكن بجوارها في حي الزمالك، وذات يوم طلبت مني أغنية، واتصل بعدها محمد الموجي وطالبني بسرعة كتابة الأغنية، وكتبت «عيون القلب» التي كانت من أنضج تجاربي معها.
ومن كلمات الأغنية: «عيون القلب سهرانة ما بتنامش، لا أنا صاحية ولا نايمة ما بقدرش.. يبات الليل يبات سهران على رمشي، وأنا رمشي ما داق النوم، وهوا عيونه تشبع نوم، روح يا نوم من عين حبيبي.. روح يا نوم».

سيرة حياتها
ولدت نجاة الصغيرة في 11 آب 1938 بالقاهرة، ووالدها هو محمد كمال حسني البابا، الخطاط العربي الدمشقي الشهير الذي هاجر إلى مصر في شبابه حيث تزوج بوالدة نجاة وهي سيدة مصرية، أختها هي الفنانة الراحلة سعاد حسني، وعمها الفنان الراحل أنور البابا.
بدأت في الغناء في التجمعات العائلية في سن الخامسة، وقدمت أول فيلم لها بعنوان «هدية» عام 1947 في سن الثامنة.
عندما بلغت سن التاسعة عشرة كلف والدها شقيقها الأكبر «عز الدين» ليدربها على حفظ أغاني «أم كلثوم» لتقوم بأدائها فيما بعد.
بدأت مسيرتها الغنائية الاحترافية حين تجرأت وقامت بغناء قصيدة «سلوا قلبي» لأمير الشعراء أحمد شوقي بثبات واقتدار أمام شيخ الصحفيين في مصر فكري أباظة، وهي أغنى وأقوى ما نظمه شوقي وأنشدته أم كلثوم.
لم يفق فكري أباظة من دهشته وغيظه إلا على انطلاق صوت نجاة، وهي ترتدي فستان سواريه، وتقبض أناملها على منديل أحمر كأم كلثوم تماماً، راحت نجاة الصغيرة تغني برزانة وثبات وحلاوة وفن.
غنت بقوة، لا نشاز، ولا لعثمة في الايماءات والحركات وتقلصات الوجه، وضجت القاعة بالتصفيق الطويل الحاد.
وذهب محمد عبد الوهاب إلى فكري أباظة ليعبر عن دهشته، وقال: «الصبية الصغيرة موسيقية درجة أولى، إحساسها مرهف وأذنها سليمة، كأن وراء صوتها واستعدادها ما هو أقوى». وتابع: «هذا ما حدث لأم كلثوم عام 1950 يوم غنّت من الإذاعة الملكية المصرية إحدى قصائد شوقي سلوا قلبي».
وفن إدارة الموهبة لا يقل أهمية عن الموهبة نفسها، فصاحب الصوت لا غنى له عن حاسة فنية يتذوق لها الكلمة الحلوة والنغمة الجميلة، وعليه أن يسعى للحصول عليهما، ولهذا تمكنت نجاة من أن تستقطب وتستأثر بنصيب من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، وأن تظهر في زمن صعب فيه أن ينجح مطرب جديد وأن يجد لنفسه مكاناً تحت شمس الغناء وسط عمالقة النغم، فضلاً عن كوكبة رهيبة من النساء ذوات الأصوات الساحرة المنفردة، ليلى مراد، وصباح، وسعاد محمد، ونجاح سلام وغيرهن.
أطلق عليها لقب «نجاة الصغيرة» للتميز بينها وبين الفنانة «نجاة» التي كانت لامعة على الساحة الفنية المصرية في ذلك الوقت.
وعلى الرغم من اعتماها في بداية مشوارها الفني على أغاني «أم كلثوم» إلا أنها غنت بعد ذلك للعديد من الملحنين الكبار أمثال زكريا أحمد ومحمود الشريف، حيث جاءت بدايتها الفنية الحقيقية من خلال أغنية «اوصفولي الحب» ثم التقت محمد عبد الوهاب الذي لحن لها أغنية «كل ده كان ليه» التي غناها بصوته فيما بعد.
ومن أبرز أغنياتها: «دوبنا يا حبايبنا» و«أيظن» و«شكل تاني» و«لا تكذبي» و«ساكن قصادي» و«كل شيء راح» و«ماذا أقول» و«أنا بعشق البحر» و«أما غريبة».
«اطمئن» من ألحان الفنان صلاح الشرنوبي هي آخر الأغنيات التي قدمتها قبل إعلان قرار اعتزالها للفن نهائياً عام 2003، رغبة منها في الحفاظ على تاريخها الفني ورافضة كل محاولات إثنائها عن ذلك القرار وقامت بعد ذلك بإعادة توزيع أغنية «حلوة يا بلدنا»، وهي من كلمات الشاعر الأبنودي، وألحان كمال الطويل.

زواج وطلاق
زواجها عام 1955 من كمال منسي، أحد أصدقاء شقيقها، ساعدها على النجاح في تلك المرحلة وبدأت تاريخها الحقيقي في عالم احتراف الغناء؛ فزوجها كان شديد التأثر والإعجاب بصوتها، وأحضر لها كبار المؤلفين والملحنين الذين قدموها بشكل مميز مثل: «أسهر وأنشغل أنا»، «اوصفولي الحب»، «حقك عليا وسامح» وغيرهم.
وبعدما أنجبت من زوجها ومستشارها الفني ابناً واحداً هو وليد، تحول العش الهادئ إلى جحيم لا يطاق بعد أربع سنوات، إثر تدخلات الزوج في حياتها وفنها فسعت إلى تجاوز الأزمة بمحاولة الطلاق الودي ولكنه رفض وتحولت القضية إلى ساحات المحاكم، وبعد 6 أشهر انفصلت عنه لتتزوج مرة ثانية وأخيرة من المخرج حسام الدين مصطفى، الذي أخرج لها فيلم «شاطئ المرح» مع يوسف فخرالدين عام 1967.
لكن هذه الزيجة لم تستمر أيضاً لفترة طويلة، بعدها أعلنت نجاة تفرغها لابنها وفنها، ولم تتزوج مرة أخرى.

في التمثيل
لنجاة 13 فيلماً سينمائياً على مدى 30 عاماً ثم اعتزلت تصوير الأفلام في عام 1976 عن عمر يناهز 37 عاماً.
وكل أفلامها تقريباً تحتوي على أغان لها، وأشهر وأبرز هذه الأفلام هي تلك التي قامت فيها بدور البطولة وهي: فيلم «الهدية» عام 1947، وفيلم «بنت البلد» 1954، وفيلم «غريبة» 1958، وفيلم «الشموع السوداء» 1962، وفيلم «شاطئ المرح» 1966، وفيلم «سبعة أيام في الجنة» 1969، وفيلم «ابنتي العزيزة» 1971، وفيلم «جفت الدموع 1976».
بعد اعتزالها من أفلام السينما استمرت نجاة الصغيرة لأكثر من ثلاثة عقود لاحقة قدمت فيها حفلات غنائية عديدة وبعدها اعتزلت المسرح أيضاً.

نجاة والسندريلا
شاعت بعض الأقاويل عن طبيعة العلاقة التي كانت بين الشقيقتين نجاة الصغيرة وسعاد حسني، ووصفتها بالغيرة والحقد من جانب الأولى تجاه نجاح شقيقتها التي أصبحت سندريلا السينما العربية على الرغم من أنها بدأت بعدها وبسنوات طويلة.
نجاة ردت عنها تلك الشائعات، مجلة «الموعد» عام 1968؛ حيث أكدت أنها كانت تستعد آنذاك للقيام بفيلم مشترك مع سعاد وستؤديان خلاله دوري شقيقتين تغني إحداهما من أجل إسعاد الأخرى وتوفير نفقاتها بل تضحي بنفسها وتستعذب التضحية في سبيل إنقاذ شقيقتها من المواقف المتأزمة التي تمر بها.
نجاة انتهزت تلك الفرصة وغادرت إلى بيروت وابتاعت من «سوق الطويلة» أحلى الأثواب والقبعات المبتكرة التي ستظهر بها في الفيلم، وعلقت الصحيفة بقولها: «يبدو أن الحب القائم بين نجاة وسعاد لن يكون حائلاً دون قيام تنافس بينهما أثناء التمثيل، بحيث تعطي كل واحدة منهما جهد الطاقة لتسترعي الانتباه إليها من دون أن يؤثر هذا السباق في أخوتهما المتينة وحبهما اللامتناهي».
ولكن المؤكد أن مشروع الفيلم توقف ولم يخرج للنور، ولم يعرف السر في ذلك حتى الآن.

ما بين نزار ونجاة
تلقت نجاة رسالة من الشاعر نزار قباني ووجدت في ظرف الرسالة ورقة جميلة مكتوباً عليها قصيدة شعرية باللغة العربية الفصحى مطلعها «أيظن» وكان عمرها في ذلك الوقت 22 عاماً، وأحست بعد قراءة القصيدة أن هناك كنزاً بين الكلمات ولكن العثور عليه كان يتطلب صعوبة كبيرة، ولكن كانت مفردات القصيدة صعبة ولم يسبق لها أن غنت بتلك اللغة فقدمتها إلى الموسيقار كمال الطويل لتلحينها فقال مُستغرباً: إيه ده! ومثله فعل الموسيقار محمد الموجي فشعرت نجاة بأن الموضوع لن يتم فقررت إرسال القصيدة للنشر في إحدى الصحف المصرية تكريماً لصاحبها الذي أرسلها لها وخصها بها.
بعد نشرها اتصل عبد الوهاب الساعة الحادية عشرة صباحاً بنجاة وقرأ لها القصيدة من الصحيفة ثم طلب منها الذهاب إليه بعد ساعتين لتستمع إلى اللحن وحينما ذهبت إليه كان اللحن جاهزاً.
وغنت نجاة قصيدة «أيظن» عام 1960 وكان نزار قباني يعمل دبلوماسياً في السفارة السورية ببكين وعندما غنت أولى قصائده لم يسمعها ولم يحصل على شريط كاسيت للأغنية، فكتب رسالة إلى نجاة قال فيها: «أيتها الصديقة الغالية.. ما أزال في آخر الدنيا.. أنتظر الشريط الذي يحمل أغنيتنا «أيظن»، تعيش في الصحف.. في السهرات وعلى شفاه الأدباء.. وفي كل زاوية من الأرض العربية.. وأبقى أنا محروماً من الأحرف التي أكلت أعصابي.. يالك من أم قاسية يا نجاة.. أريتِ المولود الجميل لكل إنسان وتغنيت بجماله في كل مكان.. وتركت أباه يشرب الشاي في بكين ويحلم بطفل أزرق العينين.. يعيش مع أمه في القاهرة.. لا تضحكي يا نجاة إذا طلبت ممارسة أبوتي فأنا لا يمكن أن أقنع بتلقي رسائل التهنئة بالمولود من دون أن أراه.. فانهضي حالاً لدى وصول رسالتي وضعي المولود في طرد بريد صغير.. وابعثي به إلى عنواني.. إذا فعلت هذا كنتِ أماً عن حق وحقيقة أما إذا تمردت فسأطلبك إلى بيت الطاعة رغم معرفتي بأنك تكرهينه».
على الفور أرسلت إليه شريط الكاسيت الذي يضم القصيدة المغناة.
كما غنت لنزار آخر روائعه: «أسألك الرحيلا» من ألحان عبد الوهاب أيضاً، وتقول في مطلعها: « أسالك الرحيلا، لخير هذا الحب يا حبيبي وخيرنا، أسالك الرحيلا، بحق ما لدينا من ذكرى غالية كانت على كلينا، بحق حب رائع ما زال مرسوماً بمقلتينا، ما زال منقوشاً على يدينا، بحق ما كتبته إلي من رسائل، وحبك الباقي على شعري على أناملي، بحق ذكرياتنا وحبنا الجميل وابتسامنا، بحق أحلى قصة للحب في زماننا، أسألك الرحيلا».

ألبوم واحد
خوفاً على تراثها الغنائي من الضياع بعد وفاتها، قررت المطربة المصرية نجاة الصغيرة منذ أعوام جمع كل أرشيفها الفني والغنائي في ألبوم واحد.
فقامت باستدعاء مهندس الصوت زكريا عامر الذي كان يقوم بتسجيل أغانيها، وذلك لرغبتها في جمع كل أرشيفها الفني والغنائي ووضعه في ألبوم واحد.

أعوام
منذ عام 2006 لم تظهر نجاة الصغيرة على شاشة التلفزيون ولم تُشاهد في الأماكن العامة.
في عام 2010، أكد أحد المراسلين أنها ما زالت تعيش في القاهرة، لكنها تسافر أحياناً إلى لندن في الصيف لتلقي العلاج الطبي.
في عام 2014، في سن الـ74، ظهرت نجاة في مكالمة هاتفية مع محطة تلفزيون عربية (قناة سي بي سي المصرية) وكانت تتحدث من ألمانيا حيث كانت تتلقى العلاج الطبي.
في 2015، رفضت عروضاً نقدية كبيرة من قنوات تلفزيونية تريد منها المشاركة في مسلسل تلفزيوني مقترح عن أختها سعاد حسني، في العام نفسه أشارت بعض وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنها تتلقي العلاج الطبيعي، وكانت هناك مخاوف بشأن صحتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن