ثقافة وفن

«أصل العالم» عنوانٌ يختصر الرواية بكلّ بساطة … وليد السابق لـ«الوطن»: الأدب والحياة مصنوعان من مادة واحدة هي «الصُدف» وهي العنوان لروايتي القادمة

| عامر فؤاد عامر

يقول «غابرييل غارسيا ماركيز» في إحدى رواياته إنه كان متفاجئاً لدى زيارته لإحدى المدن التي استقبلت روايته الجديدة باهتمامٍ كبير، من خلال نقادها، الذين تناولوا مكونات تلك الرواية بإسقاطاتٍ غريبة وعجيبة، فكان أن خرج منذهلاً من تأويلات كلّ واحدٍ منهم، إلا أنه أخبرهم قبل ذلك بأنه لم يعن أياً من تلك التأويلات على الإطلاق، وأنه لم يكن يعني بالديك سوى الديك، ولا معنى آخر خطر له في ذلك.

أوّل ضوء مُسلّط
طالعتنا مؤخراً الأقلام الجديدة برواياتها التي حملت رائحة الحرب، ولون الدخان، فتلوثت كثيراً، من دون أن ترقى بنا لمستوى رواية تُنعش القارئ، وتقدّم لنا الجديد في عالم الرواية. ويلفت الانتباه وخارج كلّ ما وصفته أن يقدم لنا روائي جديد من سورية، أول عملٍ روائي له، لتبدو علامة فارقة في الإنتاج الروائي الحديث، ولأنها غرّدت بأسلوب مختلف، كان لا بدّ من تسليط الضوء عليها. الرواية هي «أصل العالم» لكاتبها «وليد السابق» الذي يحضر ويعدّ للرواية الثانية، وهذا ما باح به لنا عبر مجموعة الأسئلة التي أجاب عنها في حواره الأول لمنبر سوري «الوطن» الذي عبّر من خلاله، بالفرح والسرور، وبأن هناك من يحاول تسليط الضوء عليه من بلده.

مصادفة وثنائيات
تعتمد الرواية «أصل العالم» على خطين ثابتين من أوّلها حتى ختامها، فهي مبنيّة على الواقع والخيال معاً، وعلى الوعي واللاوعي، والعيش بين الواقع والرغبات، وبين المعيش والحلم، وبين المتحكّم والمُتحكَّم به. لكن ومنذ مطلعها يُقحمنا «وليد السابق» بضرورة المصادفة وولادتها، في الشبه بين بطل الرواية «يوسف» والميت الذي كان جنرالاً في مرحلة سابقة، فيصطدم القارئ بسببيّة هذه المصادفة، كي يستطيع تكملة قراءة الرواية، وهنا يعتمد الكاتب على إمكانيّة تغيير حياة المرء مصادفة، ويراهن على القوة الخفيّة المكثّفة في المصادفة التي تنقل المرء من حالٍ لآخر مختلف.

تشويق
اعتمدت الرواية على اللغة الدائرية التي تتسم بالبطء إلى حدّ ما، فهناك زمن متحكم بقوّة في مفاصل الرواية، ما حتّم على القارئ قبوله تكرار المزيد من المفردات أثناء الانتقال من فصلٍ إلى آخر، ومثال عليها: «دائرة المحفوظات في بلدية المدينة، الهويّة، وغيرها». أيضاً في الرواية قصديّة واضحة في المقارنة بين الفقراء والأغنياء وأحوالهم، وكذلك بين القرية والمدينة وخصائص كلّ منهما، وجاءت المقارنات بطريقة سلسة غير مملّة، وبرمزيّة جيّدة تدفع بالقارئ للاستنتاج من دون الإشارة المباشرة إليها، وهذا ما ساعد في شدّ القارئ بقوّة منذ بداية الرواية حتى النهاية من دون ملل، وهذه نقطة قويّة تُحسب للرواية.

تعميم لمصلحة يوسف والقارئ
يلاحظ في الرواية حالة الاقتطاع التي جعلت من يوسف بطل الحكاية مغيّباً في علاقته مع أهله، على الرغم من إقحامنا في تفاصيل سكنه، وعلاقته مع القطة التي تربى في بيته، وغيرها من النقاط التي درست ووضحت تفاصيله، إلا أنها وفي الوقت نفسه غيّبت عمره، وحالته في الزواج أو عدمه، وما «يوسف» قبل ارتكابه للجريمة التي انطلقت منها الصفحة الأولى من الرواية. وهذا التعميم الخاصّ بيوسف هو تعميم مقصود لمشاركة القارئ فقط في النقاط التي أرادها الكاتب، من دون العودة إلى ماضيه وبطاقته الشخصيّة التعريفيّة. والهدف من ذلك هو أن يشبه يوسف أي واحد منا من دون ارتباطه بفئة واحدة فقط.
أولاً تعدّ «أصل العالم» تجربتك الأولى في عالم الرواية، كيف وجدت ردّة فعل القارئ العربي عليها؟ وكيف وجدت تعامل الإعلام العربي معها؟
كانت ردّة فعل القارئ العربي أكبر مما توقعت، وخصوصاً أنها عملي الروائي الأوّل. الكثير ممن قرؤوها في غير بلد عربي أصبحوا أصدقائي، تناقشت مع الكثير منهم حول الرواية، أغنتني آراؤهم كثيراً.
كذلك بالنسبة للإعلام العربي، كان تفاعله مع الرواية بنّاءً وموضوعيّاً وعلى مستوى عالٍ من الحرفيّة، الكثير من الصحف والمواقع الإلكترونيّة العربيّة خصصت مواد عن الرواية.
انطلاقة الرواية كانت عبر مصادفة التشابه بين الميت ويوسف. هل تعتقد أن هذه المصادفة يمكن البناء عليها؟ كيف غامرت بذلك وهي فكرة صعبة التحقق إذا لم نقل أنها مستحيلة؟
الأدب كما الحياة مصنوعان من المادّة الأساس عينها، ألا وهي المصادفات (ستكون المادة الأساس في عملي القادم). إن تغيير أي تفصيل مهما كان صغيراً في الحياة، سيحرف مجراها نهائياً في اتجاه آخر. المصادفات لا الإرادة هي الناظم الأساس لحيواتنا، وهي مفاتيح المأساة الإنسانية.
التشابه بين يوسف والميت هو تماماً كتأخر المرء عن حافلة ستنفجر في نهاية الشارع، الفرق بينهما هو الفرق بين الحياة والوجه الآخر للوجود، الموت.
التشابه بينهما هو حلم البشريّة الأزلي في الكينونة المنفصلة، المتصلة في مكانين. هي الاختفاء خلف الآخر وتجسيد الدّور الآخر وكأنه « الأنا». بكلمة أخرى.. ذوبان «الأنا» و«الهو» في الوعي الثالث، الوعي الغائب، المصادفات.
استحالة التشابه بينهما: هي تماماً كاستحالة النجاة بعد السقوط من الطابق السابع، البعض نجوا.
ما العلاقة بين عنوان الرواية أصل العالم ومضمونها الداخلي، ولاسيما أن التلميح للمثلث «أصل العالم» جاء في فصول متأخرة من الرواية؟ وهل استعارة اسم للوحة عالمية يغني الرواية برأيك؟
إن عنوانها هو ببساطة اختصار لها. كما «حلم الجنرال» هو الاختصار الثاني الأكثر توسعاً.
أصل العالم، أو جوهر الحياة، هو ذاك الاهتزاز بين الجنرال والمرأة نصف العارية، بين السُلطة بأشكالها والحلم، بين المُحرّم والعقاب، بين الوعي واللاوعي.
حملت الرواية اسم تلك اللوحة التي تصوّر بواقعيّة مباشرة مصدر الحياة. وحملت اللوحة اسمها من الجسد الأنثوي، مصدر الحياة، ومكملها.
الشخصية البطلة اسمها يوسف، ووردت أسماء أخرى غيرها مثل سليمان وعامر. ما المعنى والمقصد الحقيقي من وراء هذه الأسماء؟
حمل البطل اسماً لأشخاص حملوا بعض ظُلمٍ في تاريخ نعرفهُ، اصطفتهم المصادفات ليقدّموا كثير التضحيات، بعضها – كان أسفاً- مجاناً.
كيف تصف لنا تجربتك في كتابة الرواية الأولى؟ هل أخذت منك وقتاً طويلاً؟ وهل ترددت في اتخاذ القرار والإعلان عن ولادة رواية أولى؟
كنتُ أفكر أن الحياة قصيرة، وأنهُ هناك الكثير الكثير من الكتُب التي لم أقرأها بعد، وأن كتابة الرواية ستأخذ وقتاً يمكنني فيه أن أقرأ أكثر. بقيت أفكر هكذا حتى صعدتُ إلى منارة من العهد الاستعماري الإنكليزي بعمر ثلاثة قرون (يوسف سيصعد نفس المنارة في الرواية). كلمات الموظف بقيت تتردد في مخيلتي وأنا في الأعلى (سيسمعها يوسف أيضاً).
ثم في الأعلى، الريح العاتية والرهبة. الارتفاع والمحيطُ الأزرق الذي يمتدُ حتى تفقد العين قدرتها على النظر. في الأعلى قلتُ: إن لم تتصدع المنارة كقصر رملي بعد موجة، أن هبطت ثانية إلى الأرض وبقيت حياً فسأكتب رواية. كتبتها في 56 يوماً.
ولا بد (هنا) أن أشكر دار الآداب، ومديرتها الأستاذة رنا إدريس لكل التسهيلات التي قدمتها لي في إصدار عملي الأول.
هل تابعت الإصدارات الروائيّة العربيّة في السنوات الأخيرة؟ وهل تابعتها في سورية؟ ما رأيك فيها؟ وأيّها أحببت؟
قرأت بعض الأعمال التي صدرت عن روائيين عرب، وسوريين في الفترة الأخيرة. وأعجبني الكثير منها.
يتناول النقد عادةً كلّ ما يظهر للنور من أعمال إبداعية. كيف تناول النقد العربي روايتك. وما النقاط التي أصاب فيها برأيك؟
كتب الكثير من الإخوة الأساتذة عن الرواية في غير مكان. البعض كتب عرضاً عنها، والبعض نقدها نقداً أدبياً احترافيا، أقصد النقد الأدبي ذاك الذي يعيد الفضاء الروائي إلى عناصره الأساس ويحللهُ.
عموماً كان النقد بناءً وموضوعياً، وقد أفدتُ منهُ الكثير. ولاسيما إنني قارئ للنقد الأدبي كما للأدب.
حدثنا عن جديدك الذي تحضر له؟ ومتى ستطلقه؟
عملي القادم (لم يكتمل بعد) سيكون عن المُصادفات في الحياة، كيف يغيّر تفصيل صغير جداً مجرى حياة بأكملها. أعتقد أنه سيصدر في النصف الثاني من العام، عن دار الآداب. أتمنى أن يُعجب القراء العرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن