سورية

درعا بين سخونة الميدان والأجندات المتضاربة

| عبد اللـه علي

ترزح محافظة درعا للأسبوع الثاني على التوالي تحت وطأة هجومين منفصلين. أحدهما بقيادة «هيئة تحرير الشام» واستهدف حي المنشية، والثاني بقيادة «داعش» واستهدف قرى الريف الغربي من المحافظة. والقاسم المشترك بين هذين الهجومين، إضافة إلى التزامن في التوقيت، هو تطلّع كل منهما إلى السيطرة على أجزاء من الحدود الأردنية، الأمر الذي يضفي عليهما بعداً إقليمياً واضحاً.
غير أن خلط الأوراق الذي يمكن أن يترتب على هذين الهجومين في حال استمرّا لفترة أطول، قد لا تقتصر آثاره على المنطقة الحدودية مع الأردن وحسب، بل يمكن أن تنتج عنه تداعيات كبيرة تمس مصير محافظة درعا برمته، وخاصة أن الأخيرة كانت وما زالت مطرحاً للعديد من الأجندات.
وإذا كان الهجوم الذي شنته مجموعة من المليشيات بقيادة «هيئة تحرير الشام» على حي المنشية الذي يسيطر عليه الجيش السوري، قد أخفق في تحقيق أهدافه نتيجة قدرة الجيش على استيعاب الهجوم والتصدي له بكفاءة عالية، فإن الهجوم الذي يشنّه «جيش خالد» المبايع لتنظيم «داعش» على قرى الريف الغربي الواقعة تحت سيطرة مليشيات مختلفة، ما زال مستمراً وهو يحقق تقدماً متواصلاً وسط عجز المليشيات عن صد الهجوم وتطويقه.
واستطاع «جيش خالد» خلال أيام قليلة أن يضاعف مساحة المنطقة التي كان يسيطر عليها في الريف الغربي حيث كان محاصراً في زاوية ضيقة بالقرب من مثلث الحدود مع الأردن والجولان السوري المحتل من إسرائيل، لكنه تمكن في الهجوم الأخير من توسيع منطقة سيطرته بعد أن ضم إليها عدداً من البلدات والقرى من أهمها تسيل وسحم الجولان وغيرها.
ويوم أمس، تمكن «جيش خالد» من بسط سيطرته مجدداً على قريتي جلين والمزيرعة ما ضيق الخناق على بلدة حيط القريبة من الحدود الأردنية. لكن خطورة الهجوم بدأت تأخذ منحى تصاعدياً مع بدء استهداف قرية الشيخ سعد التي شهدت تنفيذ عملية انتحارية هي الأولى من نوعها منذ خروج «حركة المثنى» أحد ركائز «جيش خالد» منها العام الماضي. وتكمن الخطورة في أنه في حال نجاح «جيش خالد» بالسيطرة على الشيخ سعد فإن ذلك سيفتح الطريق أمامه نحو مدينة نوى الإستراتيجية مع ما يعنيه ذلك من تغيير كبير في موازين القوى في المحافظة.
وعلى الرغم من عدم وجود تنسيق مباشر بين «هيئة تحرير الشام» و«جيش خالد»، إلا أن تنفيذهما هجومين متزامنين في الوقت نفسه يشير إلى أنهما يمتلكان قراءة مشتركة للتطورات التي تحيط بمحافظة درعا هي التي دفعتهما إلى تسخين الجبهات بعد هدوء نسبي دام لعدة أشهر.
وتتقاطع هذه القراءة المشتركة مع بعض التسريبات التي تحدثت عن مشروعات متعددة يمكن أن تشهدها المنطقة الحدودية مع الأردن، سواء لجهة ما قيل عن نية الأردن استنساخ عملية «درع الفرات» ونقلها إلى الجنوب، أم لجهة فكرة المناطق الآمنة التي كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحديث عنها في أوقات سابقة.
وبحكم تجربتهما السابقة أصبح لدى «هيئة تحرير الشام» التي تهيمن عليها «جبهة النصرة» و«جيش خالد» المبايع لتنظيم «داعش»، إدراك واضح أن أي عملية تجري في المنطقة الحدودية سواء باسم «درع الفرات» أم «المنطقة الآمنة» ستكون على حسابهما، وربّما هذا ما يفسر مسارعتهما إلى قطع الطريق أمام هذه العمليات المحتملة في محاولة لتجنب المصير الذي تعرضا له في الشمال السوري عندما تخلّت عنهما تركيا وانقلبت عليهما من أجل تحقيق مصالحها الخاصة.
ولكن إذا كان هجوما «النصرة» و«داعش» قد حرّكا المياه الراكدة في محافظة درعا فهذا لا يعني أنهما سيكونان قادرين على التحكم بمسار هذه المياه في حال تحولت إلى تيار جارف. لذلك لا يستبعد بعض المراقبين أن تكون أحداث درعا هي مجرد تمهيد موجه عن بعد من أجل تهيئة الأرضية لسيناريوهات معينة بحسب التطورات الإقليمية والدولية.
فمن جهة، فإن ما يجري إلى الآن لا يتعارض مع فكرة المنطقة الآمنة المطروحة أميركياً كما لا يتعارض مع فكرة «درع فرات الجنوب» المسربة أردنياً، بل على العكس فإن توسع تنظيم «داعش» وبروز دور «هيئة تحرير الشام» في محافظة درعا وبالأخص بالقرب من المنطقة الحدودية مع الأردن، من شأنه أن يخدم آلية بناء الذرائع اللازمة لتنفيذ الفكرتين السابقتين.
من جهة أخرى، فإنه لا يمكن إنكار مدى التشابه بين ما يجري في درعا وما جرى في حلب نهاية العام الماضي وانتهى ببسط الجيش السوري سيطرته الكاملة على المدينة بعد انسحاب المليشيات من أحيائها الشرقية. وأهم نقاط التشابه هي: أولاً، بروز أدوار التنظيمات المصنفة على قائمة الإرهاب في كلا المدينتين. ثانياً، حصول تباين بين مخططات هذه التنظيمات والدولة الحدودية الداعمة. وثالثاً، مبادرة هذه التنظيمات إلى شن هجمات واسعة تحقق من خلالها بعض المكاسب لكنها سرعان ما تنقلب عليها.
وعلى الرغم من صعوبة التكهّن حالياً بالمسار الذي يمكن أن تسلكه الأحداث في درعا وإلى أي سيناريو ستميل أكثر، خصوصاً في ظل الحساسية العالية التي تتمتع بها محافظة درعا نتيجة موقعها الجغرافي المتميز. إلا أن صمود الجيش السوري في درعا الذي يذكر بصموده في حلب وقدرته على إفشال جميع المخططات والأجندات التي كانت تستهدف أحياءها الشرقية، يشيان بطريقة أو بأخرى أن الجيش قادر على تكرار السيناريو نفسه في درعا، لكن هذا يحتاج إلى رياح إقليمية ودولية مواتية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن