قضايا وآراء

الإدارة الأميركية الجديدة و«السلطة الرابعة»

| د. قحطان السيوفي 

وردني سؤال، بالبريد الإلكتروني من قارئ، (لماذا يهاجم الرئيس الأميركي ترامب الإعلام… وهل ستصبح شركات ترامب بديلاً للسلطة الرابعة في أميركا؟). توضيحا أشير إلى أن الرئيس الأميركي ترامب مصرّ على مواصلة الحرب على الإعلام، كما لا يوجد رئيس أميركي في التاريخ أثار هذا العدد الكبير من تضارب المصالح كما فعل ترامب وقد يكون من المرجح أنه سيخسر معركته، لأن ما من أحد خاض مثل هذه الحرب وانتصر، والتاريخ يشير إلى تجارب عدة… كان للإعلام فيها الكلمة الأخيرة.
ومن المفيد التذكير كيف استطاعت صحيفة «واشنطن بوست» التي يهاجمها الرئيس ترامب دائماً أن تطيح بالرئيس الأميركي الأسبق نيكسون، بعد فضيحة «ووترغيت».
الرئيس ترامب، لا يزال يعيش أجواء ما قبل الرئاسة، ويتناسى بعض الملفات الإستراتيجية الموجودة على مكتبه… وهو أمام خيارين: إما أن يُقيم علاقة ودّ واحترام للإعلام… وإما أن يواصل حربه على وسائل الإعلام ليوفر لها أخباراً وتعليقات مؤذية تؤثر سلبا في جهوده. قبل حوالي الأسبوع أصدر أمراً يمنع ممثلي بعض وسائل الإعلام من دخول البيت الأبيض. ترامب في أول مؤتمر صحفي رسمي، بدا وكأنه الرجل «راكب رأسه»كما ذكرت الفاينانشال تايمز وهو يهاجم الصحف ووسائل التلفزة من دون أي خشية من العواقب… الصحفيان (كارل برنستين) و(بوب وودورد) من صحيفة (واشنطن بوست) أجريا تحقيقات استقصائية عام 1974عرضتهما لأقصى الاتهامات، وحُوربت خلالها الصحيفة… لكنّ هذه الأخيرة انتصرت، وأطاحت بنيكسون… الفاينانشال تايمز ترى أن وسائل الإعلام الأميركية، التي يتهمها ترامب بالكذب ونشر الأخبار المغلوطة، قد تقوم باستقصاءات وفق القواعد المهنية ؛ حول علاقات الرئيس التجارية والسياسية. ربما تؤدي إلى مزيد من المشكلات.
استطلاع، أعدّه مركز «بيو» للأبحاث ونشرت نتائجه قبل أيام، أفاد بأن شعبية ترامب بعد شهر في السلطة، أكثر تدنّياً بأشواط من شعبية خمسة رؤساء سبقوه إلى البيت الأبيض إذ يؤيد 39 بالمئة من الأميركيين بالإجمال سياسته، على حين ينتقدها 56 بالمئة.
في حربه المتواصلة على الإعلام التي آخرها قوله: «الأخبار ملفقة، واليوم صارت ملفقة جداً»، المراقبون يرون أن المعركة ليست مع الإعلام وحسب، بل مع الدستور الأميركي، وخصوصاً ما يتّصل بصون الحريات الفردية… ما يشكّل، في رأيهم، أيقونة الديمقراطية الليبرالية! بالمقابل على صعيد المال والأعمال… الإعلام الأميركي يَدعي أن شركات ترامب تتحوّل إلى أحدث سلطة رابعة في أميركا… صحيفة الفاينانشال تايمز ذكرت بتاريخ 17/2/2017 أن (قدرة ترامب على الاستفادة شخصياً من المنصب هائلة)، وفي هذا السياق وخلال الأسبوع الماضي وبخ الرئيس الأميركي سلسلة متاجر بسبب التخلي عن خط إنتاج ابنته ذي العلامة التجارية، كما حثت محامية البيت الأبيض (كيليان كونواي) مشاهدي التلفزيون على الخروج وشراء منتجات إيفانكا ترامب، المراقبون يرون أن ترامب لا يتقيد ببند المكافآت في الدستور الأميركي الذي يمنع أصحاب المناصب من قبول الهدايا من الحكومات الأجنبية. مثلاً استئجار السفارات الأجنبية قاعات فندق ترامب الدولية نوع من المحظورات نظراً لعائديتها للرئيس في الدعاوى القضائية ضد ترامب، وحسب الإعلام الأميركي؛ يجب أن يُظهر المُدّعي أنه عانى الأضرار. من الصعب أن يُثبت أي أحد أنه تضرر شخصياً بسبب معدلات الإشغال العالية في فندق ترامب، أو ملاعب الغولف المزدهرة التابعة له في الكونغرس، سيكون زملاء ترامب من الحزب الجمهوري آخر من يمكن أن يشرع في محاولة التنقيب في مصالحه التجارية.
ابنة الرئيس ترامب كانت موجودة في اجتماع والدها الأول مع شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني ما سهل حصول ابنة الرئيس على ملكية خط إنتاج إكسسوارات ياباني ضمن مشروع مشترك مع أحد المصارف اليابانية المملوكة للدولة، فندق ترامب الدولي في واشنطن يتحوّل إلى بيت الضيافة غير الرسمي للبيت الأبيض. بعد فترة وجيزة من انتخاب ترامب، أعلنت مجموعة فنادق ترامب عن خطط لزيادة منافذها في أميركا خمسة أضعاف.
ما الثمن الذي ستدفعه أميركا؟ إصرار ترامب على أن قوانين تضارب المصالح لا تنطبق عليه، تحرم أميركا المكانة التي تخولها اتّهام البلدان الأخرى بانتهاك سيادة القانون.. تآكل الثقة بالمؤسسات الأميركية كان في الأصل عميقاً. في الشهر الماضي، خفّضت وحدة المعلومات في مجلة (إيكونومست اللندنية) قيمة الديمقراطية الأميركية إلى «ذات عيوب» من «كاملة»، وذلك بوضعها في الفئة نفسها مثل إيطاليا والهند… وربما يكون السبب، انخفاض ثقة الجمهور بالحكومة.
أخيراً، ثمة تساؤل مثير للجدل، في ظل الإدارة الأميركية الجديدة، ما مدى صحة ادعاءات الصحافة الغربية القائلة إن شركات ترامب.. أحدث سلطة رابعة في أميركا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن