ثقافة وفن

وليد إخلاصي في إحدى عشرةَ قصّة انعكاساً لما كتب في القصة القصيرة

 عامر فؤاد عامر : 

يقول محرر ومقدّم الكتاب د. «سعد الدين كليب» في «وليد إخلاصي»: «أعلم أنني أتحدّث عن كاتب من لحمٍ ودمّ، ولكن ما الذي أفعله إذا كان وليد إخلاصي كذلك! وما الذي أقوله في رجل، عاشرته خمس عشرة سنة، وما أزال، ولم يحدث أن رأيته مستفزاً أو غاضباً أو عاتباً. بل حتى حين كانت حمّى الخلاف في الرأي ترتفع بيننا إلى أقصاها، كان أسرعنا إلى الصمت، ولسان حاله يقول: أنتم أحبّ إليّ من هذا الرأي أو ذاك. إن الرأي يذهب ويجيء أمّا أنتم فمقيمون. ولأنّنا مقيمون تعلّمنا كيف نقلّم أظافر الحدّة فينا، تعلّمنا أن نحبّ ونحن نختلف، تعلّمنا الرِّضا والاختلاف معاً».

يقدّم الكتاب صورة حقيقيّة وحيّة عن القصة القصيرة لدى «إخلاصي» الذي يعدّ واحداً من أقطاب القصّة القصيرة السوريّة والعربيّة، في النصف الثاني من القرن العشرين، وفي هذا الكتاب موضوعات متنوّعة تم التطرق لها في إحدى عشرة قصّة بين التراجيديّة والواقعيّة، فكانت أنموذجاً مما كتبه «إخلاصي» من قصص قصيرة عبر مسيرة طويلة من الإبداع الأدبي، ومما جاء في القصة الأولى «التشييع» التي قدّم الصورة فيها ببساطة لتشكل لوحة رمزيّة مع المقطع الأخير، فمن مشهد يمكن أن يكون لشخص فقط إلى مشهد يرتبط بكلّ شخص ولد وعاش على الأرض. «ما أوسع تلك الحفرة، تذكرت بعض الحكايا التي سمعتها في طفولتي، الجان والأساطير وبلاد المرجان والياقوت، الأبخرة التي تحيل الحيوانات إلى أناس، وما أحلاها تلك الحكايا، وتطلعت إلى الحفرة ولكني لم أرَ أحداً في كلّ المقبرة، كان آخر فريقٍ ينزل إلى القبر يقوم بالأدعية بشكل سريع أثار انتباهي فنزلت إلى الأرض ألاحق اللحن، لم يبقَ سواي في المقبرة، لا بدّ أن كنزاً كبيراً قد وقع الناس عليه، أو إن الأرض مادت من تحتهم. تطلعتُ في الهوة التي بدت أمام عينيّ واسعة وجائعة، وتذكرت أني بقيت وحيداً في هذه البقعة الموحشة فوضعت قدمي اليمنى في القبر لأُلحقها بعد تردد بالثانية. – حسناً فلنرَ إلى أين ذهب الجميع؟!
في «صورة الرجل العاري» -وهي إحدى القصص في الكتاب- جماليّة خاصة لأنها تدور بين الكاتب وأحد شخوص رواية كتبها ولم تر النور يناقشه عن الخيانة وإقباله على الخطأ ونسيان الفضيلة، في حين يقحمه زمن حاضر من خلال مهاتفة من زميل دراسة قديم لديه صفات أكثر بذاءة من الشخصيّة التي يحاورها ويضطر لعدم الكلام مع زميل الدراسة ذلك، لأنه أحد المشوهين والمخربين للمجتمع بنشره للسوء والبعد عن الإيجابيّة، وبذلك يكرس فكرة أن هناك أشياء لا يمكن أن تسمى إلا بمسمياتها وعلينا أن نكون واضحين غير غافلين عن تأييد الصح ونكران الخطأ في بناء الحياة سليمة معافاة.
جاءت القصص جميعها انعكاساً اجتماعياً حيّاً فهي في العادات والتقاليد ونُظُم الحياة بين سلبيات المجتمع وإيجابياته كما في قصة «العرفيّ» ومرة في الواقعيّة ومحاولة الكشف والبحث النفسي والسرد كما في «الرسائل»، وأيضاً في الأدب العجائبي والمجاز في الوصف كما في قصة «أيها القادم الجميل» وفي الجشع والمال وقصة «خان الورد»، وفي التهميش والإقصاء «الأستاذة فاطمة».
يذكر أنه صدر للأديب «إخلاصي» اثنان وخمسون كتاباً، منها اثنتا عشرة مجموعة قصصيّة، وخمس عشرة رواية، وثماني عشرة مجموعة مسرحيّة، مع ثلاثة كتب في المحكيّات والذكريات، إضافة إلى أربعة كتب في الثقافة والتنظير الأدبي، يغلب عليها الطابع السردي أو الحكائي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن