قضايا وآراء

اختراقات المسار السياسي

| مازن بلال 

نجحت جولة جنيف الأخيرة في «تحدي البقاء» وضمن مسار ظهر خلال الفترة الماضية كآلية لاستيعاب الخلافات، فالتفاوض كان أسلوب تظهير المواقف دولياً، في حين تحول أخيراً إلى محاولات لالتقاط ممكنات التفاوض، وكان واضحاً منذ انطلاق الجولة الأخيرة أن الأطراف المدعوة تريد تعزيز الثقة بالعملية السياسية ولو بالحدود الدنيا، فهناك عملية موازية في الأستانة يمكنها الذهاب أبعد باتجاه إيجاد توافقات سياسية.
قدمت آلية الجولة الأخيرة حالة غير مسبوقة ربما ساعدت على تحريك الأمور باتجاه جديد، فالدعوات التي لاقت اعتراضات عنيفة منذ البداية لم تؤثر كثيراً على نتيجة «المساومات» و«الضمانات» المقدمة، ومشهد الافتتاح كان لافتاً من حيث توزع الحضور الذي ركز على «وفد الهيئة العليا للتفاوض»، ولكن «الحالة الاستعراضية» لم تعد ممكنة للمفاوضين القادمين من الرياض، فهناك بدائل يمكن أن تظهر في الأستانة خلال اللقاءات المقررة منتصف الشهر؛ الأمر الذي دفع إلى صياغة معادلة مختلفة يمكن رؤيتها ضمن ثلاث نقاط:
الأولى أن حجم الوفد لن يبدل كثيراً من الهدف الرئيس الذي تدفع إليه روسيا تحديداً، فالتمهيد لجنيف كان في موسكو من خلال لقاء لمعظم أطراف المعارضة، وكانت صيغة «الوفد المشترك» هي الأمر الوحيد الذي تريده الدبلوماسية الروسية، ومع انعقاد جنيف فإن لقاءات المنصات كانت أهم من كل التفاصيل داخل العملية التفاوضية، والوفد المشترك لن يكسر احتكار «وفد الهيئة العليا للتفاوض» لكنه سيجرها إلى مكان كانت ترفضه منذ الجولات الأولى للتفاوض، وفيما لو تشكل الوفد المشترك فإن « الهيئة العليا» ستنتقل إلى موقع جديد وحسابات تفرض عليه الاعتراف بكل الطيف المعارض.
الثانية هي تأكيد مسألة الاستمرارية في جولة التفاوض، وهو أمر لم يكن متاحاً سابقاً نتيجة «احتماء» وفد «الهيئة العليا» بـ«الحالة الإنسانية»، فهذا الموضوع أحاله المبعوث الدولي، ستيفان دي مسيتورا، منذ الجلسة الأولى لخارج طاولة التفاوض، واستند أيضاً إلى لقاءات الأستانة من أجل وقف إطلاق النار، الأمر الذي أسقط مبررات انسحاب «الهيئة العليا» وأتاح فرصة العمل على تثبيت العملية التفاوضية.
النقطة الثالثة هي انكشاف الغطاء الإقليمي عن التفاوض، فتركيا أصبحت جزءاً من العملية بعد لقاءات أستانة، ما ضيق الطريق على باقي الأطراف، مثل السعودية، لإفشال عملية التفاوض، في حين قامت روسيا والصين باستخدام «الفيتو» داخل مجلس الأمن ضد قرار يخص الحكومة السورية، واستوعبت هذا التحرك الدولي من خلال إرسال نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، إلى جنيف لمتابعة المباحثات.
عمليا كسرت جولة جنيف الأخيرة الحالة النمطية للمسار السياسي، وهي بالتأكيد لم تحمل الكثير من الآمال، لكنها في الوقت نفسه أوجدت مساحة مختلفة للحركة السياسية، واعتماد «أجندة تفاوض» تعتبر «إنجازا» قياساً لما كان يحدث في الجولات السابقة، فالأمور الشكلية التي كانت تعوق البدء بالتفاوض لم تظهر، ورغم عدم الليونة بالمواقف لكن القبول بمقترح الحكومة السورية إضافة «الإرهاب» إلى أجندة التفاوض يعتبر سابقة، إضافة لطريقة إدانة المنصات، كل بطريقته، لما حدث في مدينة حمص.
الجولة القادمة ستوضح أكثر إمكانية الدخول بجدية في المسار السياسي، وستكون المرحلة الأصعب لأنها ستشكل الاختبار الحقيقي للبيئة التي ظهرت منذ «الأستانة» وإقرار وقف إطلاق النار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن