قضايا وآراء

العالم على مسافة لقاء بوتين وترامب..؟!

| عبد السلام حجاب 

سوى بعض الواهمين، لم يعد هناك ثمة من يشك بأن العالم صار يتنفس برئتين وليس برئة واحدة أميركية هيمنت لعقود مضت رغم أنها شهدت عدة قمم بين الرئيس الأميركي ورئيس الاتحاد السوفييتي حينئذ، حيث كانت الكفة المهيمنة ترجح لمصلحة الولايات المتحدة، ولفت مراقبون سياسيون إلى أن أبرز تلك القمم كانت قمة ريكيافيك الايسلندية بين الرئيس الأميركي ريغان والرئيس السوفييتي غورباتشوف بتاريخ 10 كانون الأول 1986 واعتبروا أن أهميتها ليست بما يتمخض عنها بل كونها سمحت بسريان الروح في العلاقات بين الجانبين الأميركي والسوفييتي.
وأضاف محللون سياسيون إنها تخطت قمة جنيف التي عقدها الرجلان 19- 21 تشرين الثاني عام 1985 قائلين: إن العالم أصبح أكثر أمناً لكن الوقائع بينت أنه تحسن بالمناخ على حين ذهبت التوقعات نحو نتائج ملموسة.
بيد أنه في ضوء ما تشي به الواقعية السياسية التي تدفع تطورات الأحداث في مناطق مختلفة لاعتمادها سلوكاً بديلاً لمفاهيم سياسية خاطئة أحدثت نتائج مغلوطة وتركت آثاراً فادحة على أمن واستقرار العالم، لكن السياسة الروسية وتحالف القوى الصاعدة المدافعة عن مبادئ وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن أدت إلى أن تتحول الواقعية السياسية إلى سلوك معتمد يفرض حضوره على مختلف الأطراف التي كانت تجهد نحو تجنبه لكن خسائر مثل هذا التوجه تؤكد أنها تصيب مختلف الأطراف مادامت رقصة التانغو كما تقول الوقائع تحتاج إلى طرفين، ما يعني أن الإشارات التي بعث بها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب قبل وبعد وأثناء تسلمه الرئاسة في 20 كانون الثاني الماضي تعكس احتمالية أن لقاء مع الرئيس بوتين بات أمراً ممكناً ما أصبح بالإمكان طرح السؤال التالي: متى وأين يدشن ترامب مرحلة حوار القطبين الروسي والأميركي، وما إذا كان العالم على مسافة بعيدة أم إنه لقاء بات قريباً، والمسافة جرى اختصارها كثيراً بالسياسة ولاسيما أن محاربة الإرهاب أصبحت هاجساً وأولوية لم يعد بإمكان طرف ما تجاهلها، ما جعل خبيراً أميركياً يتوقع أن تتوصل موسكو وواشنطن إلى توافق على تسوية الأزمة في سورية في غضون 3 أشهر وأكدت روسيا أن الإدارة الأميركية الجديدة لديها رغبة في التعاون معها لمكافحة الإرهاب في سورية انطلاقاً من أن عقبة الإرهاب الدولي هي التي تحول دون التسوية السياسية في سورية، وتبقى المسألة عالقة بين الأقوال والأفعال.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف أمام مجلس الدوما الروسي إن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب تؤكد بقوة رغبتها في التعاون مع روسيا في محاربة الإرهابيين حتى النصر، وكان الوزير لافروف أشار في كانون الثاني الماضي إلى أن الرئيس الأميركي ترامب لديه نظرة مختلفة في محاربة الإرهاب، وأكد ريابكوف أن روسيا على استعداد لمحاربة الإرهاب مع الولايات المتحدة في سورية- مشيراً إلى أنها مبادرات لا تزال تلاقي حواجز فرضتها إدارة أوباما، لكنه قال إننا ننظر بإيجابية إلى تصريحات الرئيس ترامب بضرورة تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن.
على طرف مقابل قال الخبير الأميركي بول فاليلي (وهو أحد خبراء نادي فالداي الذي يعقد منتدياته في زوتشه الروسية، وخبير يقدم استشاراته لإدارة ترامب في مجال السياسة الخارجية)، فقد أعلن هذا الخبير أن لديه مفاجأة سوف يعلن عنها في موعد لاحق.
يمكن القول إن التوقعات والتحليلات بشأن تدشين قمة حوار القطبين الروسي الأميركي لا تزال قيد التداول بل إن الإشارات تنحو باتجاه العاصمة الكازاخزية حيث يمكن للرئيس الكازاخية استضافة هذه القمة الحدث بين الرئيسين بوتين وترامب، وينقل ترامب أقواله عن محاربة إرهاب داعش والفصائل الإرهابية الأخرى إلى أفعال تنسجم مع دعوة الرئيس بوتين لتشكيل جبهة دولية موحدة تعتمد التنسيق مع الجيش العربي السوري الذي يحارب الإرهاب دفاعاً عن العالم بأسره. ولعل استعادة تحرير مدينة تدمر الأثرية وعودتها محررة من إرهاب داعش إلى حضن الوطن يبعث برسالة واضحة إلى أي طرف يريد محاربة الإرهاب: إن أي حل سياسي للأزمة في سورية لا يضع محاربة الإرهاب في أولويات مهامه إنما يكون سلوكه خاطئاً ويعمل على تحقيق مكاسب بذرائع واهية، الأمر الذي قاومته سورية سياسياً وميدانياً، وبالتأكيد أنه ما لم تستطع القوى الداعمة للإرهاب تحقيقه بالحرب لن تستطيع الحصول عليه بالسياسة.
ولا جدال بأنه ليس أمام الرئيس ترامب لمحاربة داعش الإرهابي والانتصار على الإرهاب بكل تسمياته إلا تنسيق جهوده السياسية والميدانية مع الجانب الروسي والجهد الذي يقوده الرئيس بوتين في هذا الاتجاه. ولعل هذا الاتجاه في حسابات ترامب الاقتصادية والسياسية يشكل بداية التعاون الأميركي الروسي الذي يرحب به الجانبان لما فيه أمن واستقرار العالم وتعزيز القوانين والمواثيق الدولية وتتحول العداوة السياسية المعطلة إلى فعل إيجابي في محاربة الإرهاب وإنجاز الحل السياسي للأزمة في سورية على أساس القرار الدولي 2254. وما انتهى إليه الحوار في استنا أو جنيف 4.
ويمكن القول إن سورية جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد التي حققت طوال سنوات الصمود الوطني التي مضت الانتصارات على الإرهاب ومختلف التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تلقى دعم مثلث حلف الإرهاب التركي السعودي القطري المتحالف مع الكيان الإسرائيلي، ستواصل صمودها الوطني والتمسك بحقوقها السيادية في الميدان كما في السياسة مهما حاول هذا الطرف أو ذاك اللعب على المفردات وتدجين السياسات والمواقف لخدمة أغراض ومصالح سياسية لا تتوافق مع مصالح الشعب السوري في وحدة أرضه واستقلاله الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن