قضايا وآراء

بين جنيف وأستانا

| بيروت – رفعت البدوي 

في اليوم الرابع لبدء مفاوضات جنيڤ بين وفود المعارضات السورية صاحبة الجينات المطعمة وراثياً من دول أجنبية وعربية معادية لسورية وبين الوفد السوري الرسمي، أعلن المندوب الأممي دي ميستورا عن إحراز تقدم مهم بعد الاتفاق على ورقة التوصيات.
ظن البعض أنه تم الاتفاق على برنامج محدد يتضمن مناقشة بنود محددة يجري التفاوض بشأنها بهدف رسم مستقبل سورية المستقبل.
سارعت شخصياً للاتصال في محاولة للحصول على نسخة توصيات المندوب الأممي «دي ميستورا» وبالفعل فقد نجحت فجر ذاك اليوم في الحصول على النسخة، لكن المفاجأة الصادمة كانت فور قراءتي للبنود التي تضمنتها ورقة دي ميستورا وللوهلة الأولى اعتقدت أن في الأمر خطأ، لكن بعد أن تم تأكيد صحة ما ورد في الورقة من توصيات خُيل إلي أنني أمام ناظر مدرسة يوصي طلابه بالتزام تعليمات المدرسة قبل دخول حصة التدريس بعدم التلفظ بكلمات نابية وعدم إدخال الموبايل وعدم التسجيل أو البوح بتفاصيل شرح الدرس، ولم يكن ينقص بنود دي ميستورا إلا أن تتضمن بند جلوس قصير القامة في مقدمة الفصل وطويل القامة في المقاعد الخلفية.
إنها صورة مؤلمة وخصوصاً عندما نكتشف عدم الجدية في بحث مستقبل بلد أنهكته حرب الآخرين ومؤامراتهم الدائرة على أرضه لأكثر من ستة أعوام متواصلة ولم تزل.
لم يسبق أن حدثنا التاريخ في مجمل كتبه وصفحاته أن مفاوضات وقف حرب مدمرة والبحث في مستقبل وطن قد سبق أن حصلت بين الدولة وبين مجموعات تسمي نفسها منصات تعمل كل واحدة منها على حدة وبمعزل عن المنصة الأخرى وتحمل أهدافاً متضاربة تنفيذاً لأجندات مشبوهة وبأوامر خارجية لتحقيق مصالح دول أجنبية وعربية متآمرة على سوريه الوطن وشعبها، فبالإضافة إلى منصة الرياض وتركيا وروسيا والقاهرة وحميميم ومنصة الداخل كاد البعض أن يستحدث منصة خاصة للمشاركة في بورصة المنصات لتولد منصة جديدة تكون جاهزة برسم البيع.
اللافت في الأمر هو أن مفاوضات جنيڤ بين منصات وبين وفد الحكومة السورية ترافقت مع الدعوة للتصويت على مشروع قرار أممي تقدمت به كل من فرنسا وبريطانيا وأميركا بتشجيع ودفع من دول خليجية توصي بفرض عقوبات إضافية على سورية، منطلقة من ملف استعمال الجيش السوري أسلحة كيماوية ومن اتهامات بارتكاب جرائم حرب أو ملف انتهاك حقوق الإنسان وملفات أخرى من دون امتلاك أي من الدلائل الحسية والثابتة، لكنها بمجملها كانت ولم تزل بمثابة ملفات جاهزة غب الطلب تسحب من درج مكاتب مجلس الأمن في توقيت ملتبس بهدف الضغط على سورية أو من أجل الحصول على تنازلات، لكن الروسي الراعي لمفاوضات جنيڤ استعمل حق النقض الڤيتو للمرة السابعة بالتكافل والتضامن مع الصين وهذا ما أجهض أي مفاعيل تهدف إلى فرض عقوبات على سورية.
انتهت مفاوضات جنيڤ، ومن قرأ المقررات الختامية التي تلاها دي ميستورا يدرك تماماً مدى سطحية النتائج وعدم إحراز أي تقدم ملموس.
منصة تريد أولاً تفسير القرار 2254 ومنصة أخرى تريد بحث البند المتعلق بتشكيل هيئة الإشراف على تنفيذ القرار ومنصة تسعى للفيدرالية ومنصة أخيرة تريد توحيد المنصات لكن مع اختلاف الأهداف والتفسيرات، حتى إن أعضاء ما يسمى بمنصة الرياض تشابكوا وتضاربوا فيما بينهم لأن لكل عضو منهم هدفاً مختلفاً عن العضو الآخر.
مما لا شك فيه أن الحضور الروسي في جنيڤ من خلال شخص الدبلوماسي العتيق «ريباكوف» كان مؤثراً لناحية ضبط الإيقاع مجدداً وذلك بعد اكتشاف نية مبيتة عند وفد الرياض تهدف إلى نسف الاجتماع والمفاوضات برمتها.
انتهت مفاوضات جنيڤ باتفاق وحيد هو الاتفاق على مناقشة بنود أربعة من دون تحديد الأولوية فيها مع استمرار الاختلاف على تفسير بنود القرار 2254 والتحضير لجولة مفاوضات جديدة في أستانا الكازاخية مع فارق ملحوظ هو أن مباحثات أستانا هي برعاية روسية تركية إيرانية مباشرة وبمراقبة مندوب الأمم المتحدة ما يسهم في تعطيل مساعي مندوب الأمم المتحدة دي ميستورا إلى التلكؤ وحرف مسار المفاوضات وبذلك تحظى جولة أستانا بفرصة إنتاجية ذات فعالية أكبر.
إعلان قيادة الأركان في الجيش العربي السوري عن تحرير تدمر بالتعاون مع القوات الروسية الجوية جاء في وقت مهم حيث أعطى دفعاً عسكرياً جديداً ودعماً سياسياً قوياً ورسم معادلة سورية روسية جديدة ستظهر مفاعيلها بين جنيڤ وأستانا لجهة أولوية محاربة الإرهاب وتطهير كامل التراب السوري بشكل يترافق مع البحث في حل سياسي سوري سوري بعيد عن أي تدخل خارجي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن