ثقافة وفن

«يــــوم اللغــــــة العربيـــــة» … خلف المفتاح: نتعرض اليوم لهجمة واضحة على اللغة العربية الفصيحة من خلال التركيز على لهجات محلية … محمود السيد: اللغة العربية تمثل عنوان شخصيتنا العربية وهي مستودع تراث أمتنا ووطننا الروحي

| سارة سلامة

تشكل اللغة العربية هويتنا الثقافية ومخزوننا الفكري ولاسيما أنها تعتبر خزان تراثنا الفكري، إضافة إلى أنها تمثل هويتنا القومية، واللغة العربية إحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم ومن بين اللغات الأكثر نمواً، ومن أهم ركائز العربية أن اللـه كرمها وجعلها لغة القرآن الكريم، وفي عام 1960 اتخذت اليونسكو قراراً يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية، لذلك فإن اللغة العربية مسؤوليتنا جميعاً لنعمل معاً للمحافظة عليها من العواصف التي تضرب بها، وحمايتها من اللغات الهجينة التي تُدس فيها، والتركيز على التوعية منذ الصغر وفي المدارس والجامعات في الاختصاصات كافة.
وبمناسبة 21 من شهر شباط هذا اليوم الذي حددته الأمم المتحدة ليكون يوماً للغة العربية، والمناسبة الثانية هي يوم الأول من آذار الذي اعتدناه في بلادنا يوماً للغة العربية، أقامت الهيئة العامة السورية للكتاب بوزارة الثقافة بالتعاون مع اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية ندوة بعنوان «يوم اللغة العربية»، وذلك في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد الوطنية بدمشق، أدار الندوة مدير إحياء التراث العربي في الهيئة السورية للكتاب الدكتور محمد قاسم وشملت محورين: «لجنة التمكين للغة العربية، نشأتها، وتاريخها وإنجازاتها» للدكتور محمود السيد، و«الوعي اللغوي وأثره في التمكين للعربية» للدكتور عبد الناصر عساف.

لغة عابرة للحدود
وأكد عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور خلف المفتاح في تصريح خاص للصحفيين أن « اللغة العربية من أهم اللغات في العالم والأكثر انتشاراً بين لغات ست، ويتكلم بها مئات الملايين من البشر وتعتبر من أقدم اللغات السامية إلى جانب أنها لغة تشكل هوية بل عنواناً أساسياً في الهوية وهي تحمل مخزوناً حضارياً لأمم وشعوب عبر التاريخ، لأنها انتقلت حيثما انتقل العرب وحيثما تحرك الإسلام فهي لغة عابرة للحدود، عابرة للجغرافيا، وعابرة للأقوام».
وأضاف المفتاح إن «اللغة العربية أحد أعمدة هويتنا القومية وأيضاً هويتنا الوطنية لذلك فإن الحفاظ عليها مسألة غاية في الأهمية، ولاسيما ونحن اليوم نواجه أشكالاً من الغزو الثقافي الذي يعمل على ترحيل ثقافة متأصلة والحلول محلها، ما يعني فقدان الأمة والشعب جانباً كبيراً من تكوينه الحضاري والثقافي»، موضحاً أنه «يجب علينا تأكيد هذه اللغة في إطار التعليم بشكل أساسي في المرحلة الابتدائية، والمرحلة الإعدادية، والثانوية، وفي الجامعات، واليوم إبداعنا الحضاري هو الذي يجعل لغتنا أكثر ثراءً وأكثر حضوراً وبالتالي تتوسع مساحة الإبداع لدى أبناء هذه الأمة».
وأفاد المفتاح أننا «اليوم نتعرض لهجمة واضحة على اللغة العربية الفصيحة من خلال التركيز على لهجات محلية، ونجد من يعمل من خلال الإعلام على ترسيخ أو توطين اللهجات المحلية التي ليس لها قواعد، وبالتالي تتأذى اللغة العربية لأنها لغة تعود إلى قواعد وإلى أصول ما يعني الحاجة إلى وجود آليات لضبط عناصر تكوين هذه اللغة ولاسيما في مجال الإعلام والثقافة وغيرها» مبيناً «أنه منذ أيام القائد المؤسس حافظ الأسد وأيضاً الرئيس بشار الأسد كان العمل الدائم لتشكيل لجان على مستوى المحافظات وعلى مستوى المؤسسات والإدارات لتمكين اللغة العربية وبالتالي الحفاظ عليها، ومع انتشار وسائل الاتصال والمدارس والجامعات ووجود لغة رسمية أصبح الحفاظ عليها مسألة مهمة وممكنة، لابد من التركيز على الجانب الإبداعي».
وأضاف المفتاح إن «حضور العرب على الشابكة يكاد يكون محدوداً وهذا يعني أننا بحاجة للإبداع وخاصة في مجال التقانة فهناك فجوة معرفية واضحة، الأمر الذي يتطلب منا المزيد من حالات الإبداع والاختراع، هذه الندوة وهذه الكتب التي تركز على اللغة العربية هي مهمة جداً ويجب أن توطدها ثقافةً على مستوى الطفولة وأيضاً على مستوى المدارس وعلى مستوى الجامعات»، مشيراً «إلى أن إفراد مادة للغة العربية في كل الجامعات السورية دلالة على أهمية هذه المسألة».

أقدم لغات العالم
وكانت كلمة وزارة الثقافة لمدير عام الهيئة السورية للكتاب الدكتور ثائر زين الدين الذي قال: إننا « أمة بلا مشروع لغوي بغض النظر عن سورية التي طرحت مشروعها على أعلى المستويات السياسية، وبدأت العمل على ذلك منذ العام 2003 ولكن لو نظرتم إلى البلدان العربية الأخرى لرأيتم فعلاً أننا أمة بلا مشروع لغوي»، مضيفاً إنه «في الخليج العربي، عندما كنت ذات يوم زائراً لإحدى الدول فوجئت بلغة هي مزيج من لغة الهنود وغيرهم من شعوب الله، للأسف نحن لم نكن مخلصين لسلفنا الصالح في التعامل مع اللغة، هذا السلف الذي قال عنه أحد المستشرقين الرومان إنه لو أنفق الرومان من الوقت ما أنفقه العرب على اشتغالهم باللغة لما حققوا فتوحاتهم، نحن لم نخلص لهذه اللغة الجميلة والعظيمة والتي تعتبر واحدة من أقدم لغات العالم وأكثرها اتساعاً».

لغة القرآن الكريم
وتحدث رئيس الموسوعة العربية ورئيس لجنة التمكين للغة العربية الدكتور محمود السيد عن هذه اللجنة وما أنجزته حيث قال إن «لجنة التحكيم للغة العربية صدر تشكيلها عام 2007، ومهمة اللجنة أولاً وضع خطة عمل وطنية تستهدف التمكين للغة العربية والحفاظ عليها والاهتمام بإتقانها والارتقاء بها ومتابعة خطوات التنفيذ والتعامل مع الجهات المعنية وهذا هو هدفها»، مضيفاً إن «اللجنة التي شكلت تجتمع وترفع تقاريرها إلى السيدة نائب رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية الأستاذة الدكتورة نجاح العطار، واشتملت الخطة على أربعة أقسام، أما المسوغات التي دعت إلى وضع الخطة، هو أن الواقع اللغوي لم يكن بالصورة المنشودة، وسبل المواجهة وكيف يمكن أن نواجه هذا الواقع وأن نتجاوز الصعوبات والتحديات الموجودة فيه وهناك قضايا ملحة تتطلب إجراءات عاجلة».
وأكد السيد «اهتمام الأمم الحية بلغاتها واعتزاز البلدان بلغاتها حتى الكيان الصهيوني يعتز بلغته فاللغة العبرية لغة ميتة إلا أنه أحياها، وسورية كانت حريصة جداً على سلامة لغتها ومتمسكة بها على الصعيد القومي، لكن في الواقع اللغوي وجدنا أخطاء لغوية يرتكبها المعلمون في العملية التعليمية ومنها أن المناقشات ورسائل الماجستير في الجامعة تكون في أحيان كثيرة باللغة العامية وتكون بالهجين اللغوي»، مشيراً إلى أن «اللافتات في الشوارع وأسماء المحلات تكون من الهجين اللغوي وبالعامية إضافة إلى ظاهرة «العربيزي»، وهي ظاهرة خطيرة جداً على اللغة العربية وأيضاً هناك قصور في التعبير اللغوي، والعزوف عن القراءة الحرة وفقر في الرصيد الحفظي، وعدم التمكن من التفتيش في المعجم، والقصور في إكساب المعلمين مهارات التعلم الذاتي، والتعلم الذاتي هو أساس التعلم المستمر مدى الحياة، وقلة الصناعة الثقافية الموجهة للأطفال، وغياب القدوة الحسنة من الكبار والصغار مثل أهمية الكتاب واقتناء الكتب».
وأضاف السيد إن لدينا «عقدة التصاغر والتكابر، التصاغر ويعني التصفيق لكل ما يأتينا من الخارج، أما التكابر فنعني به أننا يمكن أن نكون أمام كنوز من الثقافة العربية ولكن نفضل كل ما يأتي من الخارج وهذه عقدة لدينا».
وأكد السيد أن «سبل المواجهة التي استندت إليها خطة العمل تقوم على تعزيز الانتماء، أي الانتماء إلى اللغة بجميع الأبعاد فهي لغة القرآن الكريم، واللغة القومية، والتركيز على الأساسيات وعلى المفاتيح، ويجب أن يكون هناك تشريع وقانون لحماية اللغة»، مبيناً أن «خطة العمل الوطنية انطلقت من أن اللغة مسؤولية جماعية وعلى أبناء المجتمع كافة أن يحرصوا على النهوض باللغة والارتقاء بها وهذا ما أقرته خطة العمل الوطنية، ولذلك وضعت لوزارة التربية 29 بنداً يجب أن تنفذها، وللتعليم العالي 16 بنداً، وللإعلام 23 بنداً وللثقافة 18 بنداً، مجمع اللغة العربية 14 بنداً.. وفي جميع الوزارات والمؤسسات ينبغي أن تضطلع بدورها، وفي كل وزارة يجب أن يكون هناك لجنة لتمكين العربية وفي كل المحافظات».

العربية مستودع تراثنا
وركز العضو العامل في مجمع اللغة العربية الدكتور عبد الناصر عساف في حواره على «مصطلح الوعي اللغوي»، وبين أن «الوعي اللغوي تعبير اصطلاحي معروف لا يخطئه المرء، وضعه بعض المختصين والمثقفين قبل ما ينوف على نصف قرن مستندين إلى تعابير الوعي القومي والوطني والسياسي واستخدمه الناس وتداولته وسائل الإعلام وعرفه المشهد الثقافي»، مضيفاً إن «الوعي لغة هو مصدر فعل وعى، والوعي بالمعنى اللغوي هو حفظ الشيء وفهمه أو حفظه وفهمه وقبوله، والفهم مفتاح القبول ومدعاة إليه».
وأوضح عساف أن «الوعي أن يقر المرء بأن اللغة هي رمز للشخصية العربية وعنوان لحضارتنا، وثقافتنا، ومستودع لتراثنا، وجسر تواصل مع تاريخنا، فهي لغة هوية، واللغة العربية كمعظم اللغات ليست لغة تواصل فحسب، وإنما هي لغة هوية بأبعادها المختلفة ولغة تواصل، وتفاهم، وتعاون، وكانت اللغة العربية اللغة الخامسة عالمياً وكانت ضمن اللغات الست التي اعترفت بها الأمم المتحدة باستعمالها في منظماتها».

العربية عنوان شخصيتنا
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد الدكتور محمود السيد أن «هناك مناسبات للاحتفالية باللغة العربية من هذه المناسبات الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وهناك الاحتفال بيوم اللغة الأم، واليوم الذي حددته اليونسكو في 21 من شهر شباط ويوم الاحتفال باللغة العربية وقد حددته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الأول من آذار»، مبيناً أن «سورية تحتفل بهذه المناسبات كافة ولا يقتصر احتفالها على هذه الأيام الثلاثة فقط وإنما هناك ندوات كثيرة تقام للعناية باللغة العربية والاهتمام بها على كل الصعد».
وأضاف السيد إن «سورية تهتم اهتماماً كبيراً باللغة لأن اللغة تمثل عنوان شخصيتنا العربية وهي مستودع تراث أمتنا وهي وطننا الروحي، وهي التي توحد بين أبناء الأمة العربية في مشرقهم ومغربهم، وهي لغة القرآن الكريم، ولها أبعاد متعددة، بعد ديني، وبعد قومي، وبعد اجتماعي، وبعد إنساني، وكانت لغة العولمة سابقاً».
هذا وتم في ختام الندوة حفل توقيع كتابي «قضايا راهنة للغة العربية» لمؤلفه الدكتور محمود السيد، و«العربية مختارات من أسرارها وأخبارها» لمؤلفه بيان الصفدي وذلك بنسبة حسم تجاوزت 60 بالمئة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن