قضايا وآراء

«القمة العربية» وحكاية «المكدوس»: ماذا يريد «نتنياهو» من روسيا؟

| فرنسا – فراس عزيز ديب 

في صيف عام 2013، كان العالم بأسرِه في حالةِ ترقبٍ بعد تسريباتٍ بأن «أوباما» قرَّر توجيهَ ضرباتٍ جوية لما يسمونها «مراكز قوة النظام السوري» العسكرية أو المدنية. تقاريرٌ صحفية وبرامجٌ حوارية بكل اللغات تم تجنيدها لنقاش هذه الخطوة وارتداداتها لأن هناك من كان يراها نقطةَ تحولٍ قد تؤدي لحربٍ عالميةٍ جديدة. اللافت يومها أن الشعب السوري الذي كان يراقب السماء ليرى متى ستبدأ الطائرات الأميركية هكذا حماقة كان آخر ما يعنيه هي تهديدات «أوباما» لدرجة أن نكتةً تم تداولها وهي حقيقةٌ جسدت الواقع:
العالم يترقب تنفيذ «أوباما» تهديداته ضد السوريين والسوريون يفكرون بارتفاعِ كلفة «المكدوس».
ربما هناك من نظر للأمر من باب الفكاهة، لكنها حكماً أعمق من ذلك تحديداً أن «أشجع العقلاء» من يطرحون أفكارهم بابتسامة لأنها غالباً ما تكون أقرب للقبول من الجميع. القصة بدت كرسالةٍ «شعبية» يجيدها هذا الشعب العظيم، مفادها أن تهديداتكم أو العودة عنها لا تعنينا، لأن قرار الصمود نهائي بعيداً عما تفكرون بهِ، لأنكم أساساً خارج حساباتنا.
ما أشبه اليومَ بالأمس، منذ أيام والجميع يدلو بدلوهِ عن حضور سورية لما يسمونها «القمة العربية» في عمان. هناك من يرى عودة الحديث عن هذا الأمر كنوع من اقتناع «عتاة الجامعة» بأن اللعبة في سورية انتهت، بل هناك من يحدثنا عن محاولات لإقناع «الملك سلمان» بالموافقة، وكأن «ملك الزهايمر» يعرف ماذا يجري من حولهِ حتى يوافق أو يرفض. أما النكتة الأهم فهو حديث البعض عن أن سورية ستضع شروطاً من أجل عودتها للجامعة العربية. لا أعرف حقيقةً متى نستوعب الأساس في التحليل هو الموضوعية، وأساس الموضوعية هو التحرر من أي تبعية فكرية مسبقة؟ وبمعنى آخر:
ليس لدينا شروط لنعود إلى جامعة «آل ثاني»، لأنك أساساً لا يمكن أن تفرض شروطاً على من هو بحكمِ المنتهي، ولو سألتم عن وجهة النظر الشعبية بهذا الأمر لكان جوابه ببساطةٍ وعلى طريقةِ ردة فعله من تهديدات «أوباما»:
نحن ما يعنينا الآن كم ستكون «كلفة المكدوس» مطلعَ الخريف المقبل. وفروا مِدادَ أقلامكم لما هو أهم؛ فما هو؟
زارَ رئيس النظام التركي روسيا، لا يبدو أن للزيارة مفعولاً مرتبطاً بما يجري في سورية، الزيارة بعدِّها وعديدِها ذات بعدٍ اقتصادي لا أكثر. في الوقت ذاته لا يمكن لأحد أن يقنعنا بأفكار مكررة بأن ما سيحصل عليهِ «أردوغان» ستكون بالنسبةِ له نقطةَ التحول، لأن الأداء على الأرض حُكماً لا يبدو متوافقاً مع هكذا نظرة كان آخرها قيام ميليشياتهِ بقصف مناطق تسيطر عليها قوات الجيش العربي السوري في ريف «منبج» الغربي، بل على العكس هكذا جرعة منشطة قد تدفعهُ نحو المزيدِ من الحماقات. هذا الأمر بدا واضحاً من خلال المؤتمر الصحفي بينه وبين الرئيس «بوتين» حيث كان الحديث في العموميات، حتى إن «أردوغان» وجدها فرصة ومن قلب موسكو لتعويم فرضية أن خطر ما يسميهم «الإرهابيين الأكراد» يفوق خطر «داعش». أما الحديث عن سلامة ووحدة الأراضي السورية فهو كلامٌ يكرره حتى «الإسرائيلي»، فهل علينا أن نصدقه! إن زيارة «أردوغان» لموسكو هي تحصيل حاصل، بل الأمر الذي يبدو أكثر أهمية هي الزيارة التي سيجريها «بنيامين نتنياهو» لموسكو، فكيف ذلك؟
يبدو السؤال المطروح: ما الذي يريدهُ حقاً «نتنياهو» من «بوتين»، تحديداً إن المطالب الكلاسيكية في هكذا حالات من قبيل (منع صفقة سلاح مع إيران أو الضغط لتحريك مسار سياسي في المفاوضات مع الفلسطينيين) لا تبدو ممكنة في هذا الوقت، وهذا يعطينا ربما مؤشراً بأن زيارة «نتنياهو» «سوريةُ الهدف». قبل أيام كان هناك كلام عن طلبٍ «إسرائيلي» للتعاون مع الروس بهدف حماية شمال فلسطين المحتلة، الأمر الذي نفاه الروس. في الوقت ذاته هناك الكثير من المفاصل في مجريات الأحداث السورية تقلق الكيان الصهيوني، فالوجود الإيراني في سورية وما يسمونه «تهريب السلاح لحزب اللـه» يقلقهم، لكن كل هذا يبدو في الإطار العام شكلياً، فهل يريد أن يستقرئ من الروسي ردة فعله المتوقعة تجاه مغامرةٍ ما تجاه إيران أو «حزب اللـه»؟
لا يمكن إسقاط هذا الخيار، تحديداً أن الجانب «الإسرائيلي» هذه الأيام، بعكس ما يظن البعض، لا يعيش أفضل أيامه، حتى خراب المنطقة لم يبدل من مخاوفه شيئاً ولذلك يبدو خيار المواجهة بالنسبةِ له حاجة متمتعة بالدعم الكامل لما يمكننا تسميتهم «أعداء إيران وسورية» لكن هذا لا يكفي، بل ولا يكفي أيضاً محاولة الأميركي تقديمهُ كشريكٍ في محاربة الإرهاب حتى لو بصفةِ مراقب في المؤتمر الدولي الذي ستنظمه الإدارة الأميركية تحت مسمى «الحرب على الإرهاب».
لكن في المقابل وبعيداً عن خيار المواجهة، هل يمكننا القول: إن زيارة «نتنياهو» قد تكون مقدمة لفرض الكيان لأمرٍ واقعٍ جديد في التسوية السياسية المقبلة التي يتحدثون عنها؟
هنا علينا أن نحدد أولاً عن أي تسوية نتحدث لأن الحديث عن تسويةٍ ما يجب أن يقابله بالحد الأدنى إنفراجات في المواقف وهذا الأمر لا يبدو أنه يتحقق، وبنظرةٍ إلى الشمال السوري نعرف أن حلفاء الحرب على سورية أساساً مختلفون بإستراتيجيتهم فكيف لهم أن يقتنعوا جميعاً بالتسوية! الأميركي نشر قواته مثلاً في «منبج»، هو لم يشأ بذلك أن يدعم وجوده الذي فيما يبدو لن يكون قصيراً، لكنه أراد لجم طموحات حليفه «أردوغان» في أي مغامرةٍ تستهدف الوجود الكردي شرق الفرات، حتى الحديث عن إمكانية وجود توافقٍ «روسي- أميركي» برضى سوري عن الوجود الأميركي في الشمال طالما أن الهدف هو «الحرب على الإرهاب» نفاهُ الرئيس الأسد بالأمس مؤكداً أن هذا الوجود هو «احتلال». أما «أردوغان» فهو يدرك تماماً أنه بات بحكم المشلول في الشمال السوري، ليس ذلك فحسب بل إن شلله ليس فقط عسكرياً لكنه سياسي، لكن وللأسف في اللحظة التي تُمنع فيها طائرة وزير خارجيته من الهبوط في هولندا وماتحدثنا عنه في الأسبوع الماضي عن تصاعد الخلاف بينه وبين الأوروبيين بشكل عام، وفي اللحظة التي ينكشف فيها دفعه مبلغ «500» ألف دولار لشركة يقودها المستشار السابق للرئيس الأميركي «مايكل فلن» لتلميع صورة نظامه في الولايات المتحدة، بل هناك من ذهب أبعد من ذلك للقول إن «فلين» كان مجرد عميل للأتراك، تأتيهِ جرعة إنعاش من صديقه الروسي لأن الروس هم الملاذ الأخير المتبقي له، ولولاهم لكان الآن معزولاً تماماً، علماً أن إستراتيجية «جذب أردوغان» أثبتت حتى الآن فشلها، لكن أين الجانب السوري من كل هذا التشابك؟
يمكننا تسمية الإستراتيجية السورية الحالية بإستراتيجية (رتي الأراضي). هي لا تهدف فقط لمنع التقسيم أو محاولة فرض أمرٍ واقعٍ من الكانتونات الطائفية أو العرقية فحسب، لكنها تهدف إلى إعادة وصل جهات الوطن الأربع عبر أعصاب حيوية بمعزلٍ عن المساحة التي تحمي هذه الأعصاب من الجهتين، لكن المهم ألا يكون هناك أي مجال حيوي لمطالب تقسيمية أو انعزالية مستقبلاً، تحديداً إن هذه الإستراتيجية تبدو في منحاها العام أهم من إستراتيجية تحرير الأراضي حالياً، بمعنى آخر:
إن وصول الجيش العربي السوري والحلفاء لمرحلةٍ يتمكنون فيها من وصل دمشق بالحسكة يبدو أكثر أهمية من تحرير إدلب، لأن إسقاط المشاريع السياسية سيكون انعكاساً لإعادة وصل الشرايين المتقطعة، أما تحرير مدينة ما فهو قد لا يعني انتهاء حلم الحالمين، فماذا ينتظرنا؟
يبدو واضحاً أن الإسرائيلي يستغيث، وهو يعي تماماً أن الإستراتيجية السورية ستحقق المطلوب، حتى المناطق التي يسيطر عليها الأميركيون ستكون مؤجلة بالنسبة للسوريين ولا يبدو أنها ستنتهي بمواجهةٍ (أميركية- سورية) كما يتمنى البعض، وعليه: إذا كان «الإسرائيلي» يردد بأن حدود «إسرائيل» من «الفرات» إلى «النيل»، فلا تظنوا أن مشهد الجندي السوري وهو يشرب من «الفرات» بعد غياب أربع سنوات لا يبدو كابوساً يراود «الإسرائيلي»، ويجعله يتساءل:
ماذا بعد «الفرات» إذا ما أعاد الأسد بسط سيطرته بهذه الوتيرة العالية؟ هل سيشرب الجنود السوريون من «طبريا» مثلاً؟ ربما لسنا نحن المعنيين بإجابة العدو «الإسرائيلي» والتأكيد له أنه إن غامر أم لم يغامر فالأمر سواء لأن هناك من سينتصر وهو سيلقى ما لم يتوقعه. لكننا حكماً معنيون بالقول للبعض: كل هذه التعقيدات والتشابكات الدولية، وتعطون من وقتكم للتفكير بما يسمى «القمة العربية»، إنه الفراغ الذي يفعل فعله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن