قضايا وآراء

داعش الإرهابي من حرب المدن إلى حروب البوادي

| صياح عزام 

خلال الأيام القليلة الماضية نشرت بعض الصحف العربية بعض المقالات والتحقيقات التي تتحدث عن مرحلة «ما بعد تحرير الموصل وما قبل نهاية تنظيم داعش الإرهابي» حيث عكست قلقاً حقيقياً من انتقال التنظيم الإرهابي من «حرب المدن» بمحاورها الثابتة، إلى «حروب الصحراء والبادية» بمحاورها المتنقلة والمُتبدلة… وأكدت هذه الصحف أن الجماعة الإرهابية المتطرفة، عازمة على التمترس في جبال وتضاريس الأنبار ووديانها الممتدة إلى حدود محافظات عراقية عديدة من جهة، وتصل في امتداداتها إلى البداية السورية والأردنية من جهة أخرى.
هذه المنطقة التي تقارب مساحتها ضعف مساحة الأردن، تتميز بكثرة الكهوف والأنفاق الطبيعية والصناعية (صُنْع داعش والقاعدة من قبلها)، وهي كانت ملاذاً للتنظيم زمن الإرهابي «الزرقاوي» والقاعدة، وقبلها كانت تُعرف بأنها «طريق الحرير» لمُهربي المخدرات والماشية والسيارات المسروقة والبشر، وكل ما يصلح للتهريب وصولاً- وإن بصعوبة أكبر- إلى النقب وسيناء، منطقة تكاد تكون فارغة من السكان، حتى إن العشائر المنتشرة فيها والمعتمدة في حياتها المعيشية على رعي الماشية غادرتها إلى مناطق أخرى أكثر أمناً وهدوءاً.
ويُقال إنه في العراق، حتى زمن صدام حسين، كان من الصعب فرض السيطرة على المنطقة والتحكم بمداخلها ومخارجها، بدليل أن سكانها ظلوا يعملون في تهريب الماشية من الأردن وإليه ومن يهرب الماشية دون أن يُلحظ على الحدود، يمكنه تهريب أي شخص، وأي شيء حتى السلاح بأنواعه.
وعلى الطرف السوري من البادية يصعب تأمين الحدود السورية وخاصة في الوقت الحاضر (في ظل الجبهات العديدة التي يقاتل عليها الجيش السوري المجموعات الإرهابية المسلحة كذلك الأمر على الطرف الأردني من البادية حيث هناك مساحة أكبر بكثير من أن تتم تغطيتها بالكامل- أي تغطية المساحات الحدودية الأردنية الشاسعة التي يتعين تأمينها).
العراق يحتاج إلى عشرات الألوف من الجنود لتغطية الجزء الخاص به- وهو الجزء الأكبر- إن هو أراد اجتثاث داعش وتصفية جذورها، ومنعها من الاعتداء على مدنه ومراكز محافظاته.. وقبل أيام، جرب «داعش» جسّ نبض القوات الحكومية، عندما نفذ اختراقاً على معبر «طريبيل» وقبلها غزا «الرطبة» واحتلها ما اضطر الجيش العراقي إلى حشد المزيد من القوات لاستعادتها… ومن هذه المناطق يمكن تنفيذ هجمات ضد بغداد والرمادي والموصل وغيرها.
إن وجود «داعش» في المدن العراقية والسورية بات مسألة وقت كما يُقدر العديد من الباحثين والمراقيبن… معركة الموصل ستنتهي بأسابيع أو أشهر معدودة، ومعركة الرقة تقترب وخاصة بعد تحرير تدمر… إذاً، أين سيذهب إرهابيو التنظيم العرب منهم والأجانب، هذا سؤال مفتوح.
في رسالة وجهها «البغدادي» للتنظيم، أمر أتباعه الإرهابيين بصعود الجبال، والانتشار في الصحراء والبوادي (أي في هذه المنطقة التي أشرنا إليها)… وقبل هذه الرسالة، تحدثت المعلومات عن تمركز كثيف لداعش في المثلث الحدودي «الأردني- السوري- العراقي»، وذكرت هذه المعلومات ذاتها، أن الإرهابي «البغدادي» كان هناك شخصياً، واستهدفته طائرات حربية عراقية إلا أنها لم تُصبه.
وعلى خط الحدود السورية- العراقية، يتحرك قادة داعش الإرهابي، الذين يتعاملون مع الحدود بين سورية والعراق على أنها «خط وهمي» لا أكثر، ويعتبرون هذه المنطقة ساحة عمليات ذات طبيعة طبوغرافية واحدة، والأرجح كما تفيد التقديرات أن الحال ستستمر على هذا النحو إلى حين.
إذاً، المعركة مع تنظيم داعش الإرهابي لن تنتهي باسترداد الموصل والرقة وغيرهما من المواقع، بل المعركة مع داعش، أو بالأحرى المعركة الأصعب، ستكون على امتداد البوادي والصحارى المشتركة لكل من سورية والعراق والأردن، والأمر يحتاج إلى أن تعمل هذه الدول سويّة لاستئصال شأفة داعش، وألا توفر له الفرصة لالتقاط الأنفاس وترميم أوضاعه وتعويض خسائره ومن ثم انقضاضه من جديد على هذه الدول وغيرها.. إن مثل هذا الجهد الجماعي المشترك والمنظم والقائم على التنسيق والتعاون في الميدان بين الدول المذكورة، إضافة إلى التعويل على دور أبناء المنطقة وعشائرها، كل هذا يمكن أن يحسم المعركة مع هذا التنظيم الإرهابي المجرم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن