قضايا وآراء

سورية والمواجهة الكبرى

| مازن بلال 

تتحرك القوات الأميركية بأعداد مازالت قليلة حول مدينة منبج وداخلها، على حين يبدو السيناريو القادم بشأن الجزيرة السورية مزيجاً من التفاهمات لمنع التماس المباشر، ففي بضعة كيلومترات هناك خطوط مواجهة قادمة ليس لتحرير الرقة بل لتكريس أدوار دولية وإقليمية، وعبر اجتماع أنطاليا بين رؤساء أركان روسيا والولايات المتحدة وتركيا عن مسار عسكري قادم، فهذا اللقاء ينقل حجم القلق تجاه الشرط الخاص لإزاحة داعش من المشهد الشرق أوسطي، حيث لا يمكن إسقاط «الدولة الإسلامية» من دون التوافق على التكوين الخاص بالشرق الأوسط، بما فيه سورية، في مرحلة ما بعد الحرب، فواشنطن مهتمة بـ«التطويق الإقليمي» لكل القوى القائمة اليوم من أجل إزاحة إيران من خريطة النفوذ باتجاه المتوسط.
بالنسبة لواشنطن في عهد إدارة ترامب لم يعد مهماً ضمان التوازن داخل الحلفاء، وهو ما يفسر التفكير الأميركي بالتعاون مع الأكراد والأتراك في الوقت نفسه، فهما ورقتان مختلفتان في أدوارهما المستقبلية، فالجزيرة السورية ستأخذ موقعاً مختلفاً في عملية الصراع، لأنها الجيب الجغرافي الذي يُمكن البيت الأبيض من ضمان كسر المعادلة الإيرانية وذلك وفق آليتين أساسيتين:
– الأولى إيجاد توازن عسكري يفرض شرطاً في التفاوض السياسي من خلال قوة محلية، هي قوات «سورية الديمقراطية»، يمكنها ازاحة بعض الشركاء السياسيين وعلى الأخص الإيرانيون، فاللعب بالعامل الكردي المحلي وزجه في حرب داعش هو لإنهاء مبررات الوجود الإيراني القوي في الأزمة السورية.
تفترض هذه الآلية حدوداً للدور التركي أيضاً المتخوف من إقليم كردي في الشمال السوري، ولا يبدو أن واشنطن مهتمة كثيراً لهذا التخوف، فوجودها في الشمال السوري يمكنه منع التماس، وهي في الوقت نفسه تريد من تركيا حسم موقعها في المنطقة، واختبار قدرتها في لعب دور جيوستراتيجي على الحد الفاصل بين أوروبا والشرق الأوسط، فالوجود الأميركي على رمزيته يرسخ واقعاً جديداً في الجزيرة السورية؛ يفرض على الجميع حساب تحركاته القادمة بدقة.
– الثانية هي كسر الحالة النمطية لمحاربة الدولة السورية، فواشنطن لم تعد معنية بالتغطية السياسية للدورين التركي والسعودي، بل بخلق خلل إستراتيجي أمام الدور الإيراني يجبره على تغيير جبهاته والانكفاء في سورية والعراق.
ترسم الولايات المتحدة واقعاً مربكاً أمام روسيا؛ فوجودها العسكري يفرض على موسكو إيجاد بدائل لا تثير قلق الأميركي تجاه العلاقة الروسية – الإيرانية، وكان واضحاً أن هناك شكلاً من الانكفاء في التأثير القوي لإيران تجاه المعادلة العسكرية، من دون أن يعني هذا الأمر حسم مسألة النفوذ الإيراني بشكل عام، وتدرك واشنطن أيضاً أن طهران لا تستطيع سحب أوراقها من سورية قبل اتضاح ملامح الحل القادم.
كل التعقيدات في منطقة منبح تنقل سيناريوهات غير مكتملة، فهناك تصورات أميركية لايمكن تجسيدها بشكل تقليدي، وهو ما يدفع الولايات المتحدة إلى التعامل مع قوات «سورية الديمقراطية» بدلا من الحليف التركي، وربما تسعى أيضاً لدفع هذه الورقة بعيداً لتطوير حالة تجعل الحسابات الإقليمية مختلفة، فالمسألة ليست «إنتاج» دولة كردية بل دفع النموذج الكردي من أجل رسم حسابات شرق أوسطية جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن