من دفتر الوطن

أحلام متواضعة!

| عصام داري 

عندما يكون الألم كبيراً، تضيق فسحة الأمل، وتتزعزع الثقة بالغد الآتي الذي كنا نظن أنه أحلى وأفضل، لكننا، على الرغم من كل شيء نتمسك بخيط أضعف من بيت العنكبوت نسميه التفاؤل والأمل والرجاء.
في هذا الجو الخانق، والمأساة المستمرة فصولاً نجد أن خير وسيلة للهرب من واقعنا هو الحلم، ونستغرب كم أحلامنا صغيرة ومتواضعة بعد أن كانت يوماً تعانق الشمس، وتتجاوز المجرات.
حلمنا الصغير الأول هو حقيقة كانت قبل أعوام ستة خلت، إنه الأمن والأمان، لم نكن نشعر بهذه النعمة حتى فقدناها، وصارت شبه مستحيلة، وتحولت إلى حلم وهاجس وحديث يومي للسوريين كافة.
وأحلامي المتواضعة لا تتجاوز الممكن والمتاح، مع ذلك أراها بعيدة المنال، وربما الأغاني تلخص بعض تلك الأحلام الصغيرة، لكنها تعبر عن عشق للحياة والحب والمباهج الهاربة من دروبنا.
ماجدة الرومي تعبر عن أحد تلك الأحلام: «أنا عم أحلم ليل نهار بالوردة المليانة زرار»، وهل أجمل من بساتين الورود ورؤية لحظة تفتح براعمها؟! لكن هل صارت مثل هذه اللحظة حلماً؟ وهل أخذتنا الحياة وهمومها ومشاكلها إلى مكان أعلنت الورود اعتزالها نشر عطرها وأريجها في فضاءات لوثها الإنسان بكل الملوثات؟
وفيروز تعبر كذلك عن حلم آخر أرسمه في مخيلتي منذ الطفولة، فهي تغني بصوتها الملائكي: «يا ريت إنت وأنا بالبيت».. لا يهم شكل البيت وحجمه وموجوداته، المهم أن يكون بيتاً يجمع عاشقين، فيه الدفء والنور وكمشة زهور، تحيط به أشجار الصنوبر والسرو والصفصاف وتداعبها النسمات فتتمايل رقصاً على ضفاف السواقي أو قرب جدول صافٍ.
أحلم بكوخ خشبي على حدود غابة ساحرة تسكنها أطياف محبين وعصافير، وتفترشها الورود والرياحين هل صار الكوخ حلماً صعب المنال؟
أحلم أن أفترش العشب ليلاً وألتحف الفضاء مثل جبران خليل جبران، وقد صار هذا الحلم مستحيلاً.
أحلامنا تبعثرت، تبخرت، غابت وتم تغييبها، وانحشرنا في هذا الزمن الرديء، وعلينا أن نسير ونسير إلى هذا المصير بلا معين ولا نصير، لكننا لا نستسلم لدينا إرادة التغيير ورغبة المغامرة، وأعلن دائماً أننا نتجه إلى غدٍ هو الأحلى وإن كنا لا نمتلك بيتاً، كوخاً، خيمة، المهم أن نمتلك قلبَ عاشقٍ.
أحاول أن أرسم بالكلمات عناوين أيامي وأفرش الدروب بنجيمات صغيرة طرحتها شجيرات الياسمين فهرهرت عشقاً على حواري وأزقة دمشق الشام التي عرفت حكايات العشاق وأسرارهم، وأجني مواسم بنفسج لأطوق كوخي الصغير بكل أشكال الأزاهير، وأرقب كل حركات الكواكب علني أصل إلى بر أتوق إليه منذ عقود، فقد تعبت من السباحة في عكس التيارات، وآن لهذا القلب المدمى أن يستريح.
لا نطلب الذهب والفضة، ولا الياقوت واللؤلؤ، لا نريد النوم على فراش وثير من ريش النعام، أو امتلاك القصور والقلاع والشاليهات على شواطئ كان وهونولولو، فهل صارت أحلامنا مستحيلة؟؟ وألف إشارة استفهام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن