ثقافة وفن

عوالم روائية في مرآة النقد التطبيقي … نذير جعفر: الرواية السورية فن يستوعب كل النبرات واللغات الاجتماعية والإيديولوجية

| سوسن صيداوي

أصدرت وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، كتاباً لنذير جعفر، تحت عنوان عوالم روائية في مرآة النقد التطبيقي، يتناول هذا الكتاب عدداً من العوالم والتجارب الروائية تناولا نقديا تطبيقيا لأجيال من الكتّاب السوريين بدءاً من الرواد، ومروراً بجيل التحديث، وانتهاء بالأصوات الجديدة، التي بدأت تجربتها مع مطلع الألفية الثالثة، محاولاً النظر في ذلك كله عبر مرآة النقد التطبيقي للكشف عن الثيمات الفنية الرئيسة في نتاجهم ومدى التنوع والثراء في تلك التجارب التي لا يمكن إدراجها تحت مصطلح مدرسي محدد ودقيق، أيا كانت دلالاته وشموليته على أمل أن يلم بأبرز الجوانب الفنية في تلك التجارب ويعرف بها على نحو جديد ومثمر.

في الرواية السورية
شهدت الرواية العربية السورية طفرة نوعية على مستوى النتاج والنشر والتلقي والاهتمام من القرّاء والدارسين معاً. فالتحولات العميقة في بنية المجتمع، وازدياد أزماته وتعقدّها، وانكسار الأحلام الكبرى، وتنامي حركة الترجمة والتواصل مع الشعوب المختلفة وآدابها، ولّد الحاجة إلى البوح والسرد والخوض في غمار الحياة وتصوير الإنسان وصراعاته وتحدّيه لشروط حياته القاسية. ووجد الكاتب ضالته في الرواية بوصفها الجنس الأدبي الذي يتسع لكل أشكال التعبير غير المباشر، متيحا استثمار التقنيات والأساليب الفنية المتعددة، والإفادة من كل الأجناس الأدبية التي تمكنه من رصد الحياة وتحولاتها الدرامية واستبطان دواخل النفس البشرية، ومدّ الجسور مع شرائح متنوعة من القراء. وهي ليست مرشحة للتعبير عن أزمات الإنسان وتحولاته وخيباته وحبه وكرهه وأحلامه فحسب، بل لاستشراف مآلات مساراته والتبشير أيضاً بعصر جديد. وحول الازدهار الذي تعيشه الرواية السورية يقول المؤلف: «يعود في بعض أسبابه إلى أنها عمل فردي بامتياز أولاً، ولأنها تغذي السينما والدراما اللتين تجدان من يموّلهما ويسوّقهما ثانياً، ولأنهما الفن الذي يستوعب كل النبرات واللغات الاجتماعية والايديولوجية ويوظف كل الفنون في بنيته ثالثاً».

ازدهار الرواية السورية
استعرض مؤلف الكتاب في بحثه الأسباب التي تجعل من الرواية السورية منتشرة في الأوساط، مضيفاً: إنها قادرة أن تصل إلى مصاف العالمية شارحاً: «وقد وصلت الرواية العربية السورية إلى مستوى عال ورفيع فيما يخص الموضوعات والمضامين المتنوعة التي تتناولها والأشكال الفنية التي تتمثلها. ولا ينقصها شيء في الوصول إلى العالمية سوى الحركة النشطة والمنظمة لترجمتها إلى اللغات الحية وإيصالها إلى القارئ الأجنبي». ولاسيما أن عدداً من مبدعينا قد ترجمت أعمالهم إلى لغات عدة في العالم، ونالت استحسانا كبيراً، وتسهم بعض مؤسسسات الجوائز الآن في ترجمة الأعمال الروائية الفائزة إلى عدد من اللغات، وهو ما سيعمل على انتشار الرواية السورية وتزايد الاهتمام بها. ولعل هذا الازدهار للفن الروائي هو ما يفسّر تحوّل عدد كبير من المبدعين في أجناس أدبية عدة إلى كتابة الرواية، فإيقاع العصر الراهن ينحاز لها، لأنه عصر الاكتشافات الخطيرة، والتحولات المتسارعة، والهويات المتصارعة، كما أنه عصر التغريب والتشيؤ والموت المجاني أيضا!».

في النقد الروائي العربي
أما النقد الروائي العربي عامة فما زال يحاكي المناهج والنظريات النقدية الغريبة من واقعية وبنيوية وتفكيكية، وهو لم يتجاوز بعد مرحلة النقل إلى مرحلة المثاقفة والحوار. هذا ما بينه المؤلف مضيفاً: «ومن هنا نجد ظلالا باهتة لتلك المناهج لا تأصيلاً لها أو إضافة عليها، أو تبايناً عنها، وهناك استثناءات في هذا المجال لكنها لا تشكل مناخا عاما، وهي أشبه بالجزر المعزولة التي تعيش بمفردها، ويبرز في حركة نقد الرواية اتجاهان رئيسان: الأول تنظيري، وينصب اهتمامه على تجنيس مفهوم الرواية ومحدداتها وعناصرها بشكل عام، والثاني تطبيقي، يدرس مضامينها واتجاهاتها وتقنياتها الفنية، ومدى التناغم في الشكل والمحتوى في تحقيق جمالية العمل الروائي ومتعته وكشفه لدواخل النفس وتناقضاتها. وعلى الرغم من تعدّد الاتجاهات النقدية، وبروز عدد من النقاد في مجال السرديات، فإن الحركة النقدية تبدو غائبة، وغير فاعلة، ولا تستطيع مواكبة النتاج الروائي الضخم، وهذا ما يفسح المجال للنقد الصحفي والانطباعي السريع بالظهور وتسيّد الواجهة بدلاً من النقد المتخصص».

في الكتاب
يتناول هذا الكتاب عدداً من العوالم والتجارب الروائية تناولاً نقدياً تطبيقياً لأجيال من الكتّاب السوريين بدءاً من الرواد: حسيب كيالي، حنا مينه، صدقي اسماعيل، ومرورا بجيل التحديث: إبراهيم الخليل، وحيدر حيدر، محمد الماغوط، وليد إخلاصي، هاني الراهب، فواز حداد، وألحق بهم غسان كنفاني- الفلسطيني مولداً والسوري نشأة ونتاجاً، انتهاءً بالأصوات الجديدة التي بدأت تجربتها مع مطلع الألفية الثالثة، مثل: خليل صويلح، غسان ونوس، سمير عاموردي، محمد دالاتي، كما أفرد المؤلف فصلاً خاصاً برواية الحرب من خلال دراسة رواية الكاتب حسن صقر، محاولاً النظر في ذلك كله عبر مرآة النقد التطبيقي للكشف عن الثيمات الفنية الرئيسية في نتاجهم، ومدى التنوع والثراء في تلك التجارب التي لا يمكن إدراجها تحت مصطلح مدرسي محدد ودقيق أيا كانت دلالته وشموليته، على أن يلم هذا الجهد النقدي بأبرز الجوانب الفنية في تلك التجارب ويعرّف بها على نحو جديد ومثمر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن