قضايا وآراء

مستقبل الاتحاد الأوروبي في ظروف التوازنات الدولية الراهنة

| تحسين الحلبي

أسئلة كثيرة يطرحها عام 2017 الجاري حول مستقبل الاتحاد الأوروبي وعلاقة ما سوف يتبقى منه بعد خروج بريطانيا واحتمالات قوية بخروج دول أخرى تفضل البحث عن خيارات لا تلزمها بسياسته المركزية.
في الأول من آذار الجاري نشرت صحيفة «تيليغراف» البريطانية الإلكترونية تحليلاً كتبه محرر العلاقات مع أوروبا «بيتير فوستر» يقول فيه: إن الاتحاد الأوروبي ربما يتخلى عن أحلامه بتحقيق اتحاد سياسي ويتحول إلى «مجرد سوق منفرد» بموجب مقترح عرضه رئيس الاتحاد «جان كلوديو نكير».
وكان هذا المقترح من بين خمسة سيناريوهات لمرحلة ما بعد استكمال إجراءات خروج بريطانيا في عام 2019 وأصبح الجدال والنقاش حول أحد خيارين: إما أن تتحول أوروبا لاتحاد يوفر أعمالاً وتجارة للأعضاء فيه «أي اقتصادي ضمن مصالح ومنافع مشتركة» وإما أن يتجه نحو علاقة اتحادية سياسية توفر له مقعداً على طاولة «الشؤون الدولية» في العالم وبين القوى الكبرى.
فخروج بريطانيا منه جعله يفقد دولة كبرى من الدولتين الكبيرتين فيه ولم يبق فيه سوى فرنسا دولة كبرى ممثلة في مجلس الأمن الدولي وذات أسلحة نووية ومصالح عالمية ومن السيناريوهات التي يتوقعها (فوستر)، أن تحافظ دوله (27) حتى الآن بعد خروج بريطانيا على روتين الاتحاد نفسه ومساره الراهن وبشكل بطيء يفتقر للسرعة في اتخاذ القرارات الموحدة، وهذا ما يعاني منه الآن من دون أن تتفق دوله على أولويات جدول العمل الجماعي، والسيناريو الثاني هو بقاء الاتحاد متفقاً على علاقاته الموحدة في السوق من دون اتفاق سياسي بارز وثابت على الساحة الدولية، والسيناريو الثالث: إعطاء الفرصة لدول تحقق «اتحاداً أقوى» في ميادين عسكرية وداخلية وفي السياسة الاجتماعية والخارجية وعدم فرض الأمر نفسه على دول لا تقدر على المشاركة.
والملاحظ هنا أن فرنسا وألمانيا أكبر دولتين في الاتحاد الآن تقودان مثل هذا التوجه في السياسة الدفاعية والخارجية بينما لا تتحمس بولندا وبعض دول أوروبا الشرقية لمثل هذا التوجه ومستلزماته المختلفة، والسيناريو الرابع هو أن يقرر الاتحاد تقليل قائمة أولوياته الملزمة والاستمرار في متابعة أولويات لا صلة لها بالسياسة الخارجية والمستلزمات الدفاعية، والسيناريو الخامس هو القبول بالاتحاد الأوروبي في وضعه الراهن (نصف الجاهز) المعرض لتدهور علاقاته الجماعية وبروز علاقات ثنائية بين بعض دوله رغم أنها لا تلبي التحديات العالمية في هذا الوقت.
وفي ظل هذه السيناريوهات ترى (مجلة نيويوركر) الأميركية في تحليل نشرته في 6 آذار الجاري تحت عنوان «ترامب وبوتين والحرب الباردة الثانية» أن الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي فرنسا- ألمانيا بشكل خاص تميل إلى الشعور بالخوف من أن يتعرض الغرب لخسارة في مواجهته لروسيا في هذه الظروف، وخصوصاً بسبب عدم ثقتهم بقدرة «ترامب» وقلة خبرته في مجابهة «بوتين» ويقول الجنرال الأميركي «شيريف»: «إن الخوف الأكبر هو تحييد حلف الأطلسي وفصل أميركا عن الأمن الأوروبي وإذا ما حدث ذلك فسوف يحصل بوتين على جميع أنواع الفرص القوية في أوروبا». ويتساءل «ستيفين سيستانوفيتش» المستشار حول الشؤون الروسية عند «ريغان» و«كلينتون»: «كيف ستصمد أنجيلا ميركيل، إنها وحدها الآن في أوروبا وبوتين سيظهر كقوة متفوقة في أوروبا».
وكانت مجلة «ديرشبيغيل» الألمانية قد نشرت قبل أيام افتتاحية عكست فيها «الفزع العام» في أوروبا وتدهور «الهيبة الأميركية منذ فوز ترامب» ووصفته «بالخطر على العالم» ويقول «ستروب تالبوت المستشار السابق للرئيس كلينتون: «هناك خطر حقيقي جداً لا يحمل معه خسارتنا للحرب الباردة الثانية، بل إن الخسارة ستتوسع خصوصاً لأنه يقلل من أهمية أوروبا».
ويرى الكثيرون من المحللين في واشنطن أن إدارة ترامب تعاني من اضطراب وتناقضات في العمل أمام أوروبا التي ستضطر إلى الامتناع عن استفزاز بوتين وخصوصاً في ظل الأشهر المقبلة التي ستشهد فيها انتخابات في ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا رغم أن أحداً لا يحسد هذه الدول على وضعها المضطرب في هذه المرحلة الحساسة والحرجة في مستقبل العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة وبين كل طرف من هذين الطرفين مع روسيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن