قضايا وآراء

أوروبا بين مطرقة ترامب، وسندان الشعبوية، والإرهاب

| د. قحطان السيوفي 

على مدى أكثر من ستة عقود، كانت الولايات المتحدة الأميركية المُشجّعة، والضامنة، للتكامل الأوروبي. الرئيس ترامب يُريد قلب السياسة رأساً على عقب. يرى في خروج بريطانيا بداية انهيار للمشروع الأوروبي. في ظل ظاهرة الشعبوية، وكابوس الإرهاب.
تيد مالوك، الرجل المرشح ليكون سفير ترامب إلى الاتحاد الأوروبي. وهو أستاذ في كلية هينلي لإدارة الأعمال في جامعة ريدينغ، قال: إن العملة الموحدة في خطر الانهيار بغضون 18 شهرا… تشهد بريطانيا مع حكومة تيريزا ماي أكبر اضطراب في الحياة السياسية والاقتصادية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. الخزعبلات الخيالية (كما جاء في الفاينانشال تايمز بتاريخ 8/2/2017) بشأن الفرص الجديدة لأمة تظهر الآن باسم جديد هو (بريطانيا العالمية) بتكلفة اقتصادية وجغرافية سياسية نوع من الوهم.
يشعر القادة البريطانيون بالقلق من التفاهم مع الرئيس ترامب. وعادة يعتبرون العلاقة مع واشنطن من ركائز الأمن القومي. رغم وعد ترامب بصفقة تجارية. إلا أن ذلك (يحتاج للقليل من التملق، وربما نوع من التحقير الذاتي) ذكرت الفاينانشال تايمز 8/2/2017 بشكل عام تبدو المشاعر السياسية في أوروبا وكأنها تتحرك شمالاً باتجاه الدول الاسكندنافية، حيث يتعين على الذين يمثلون الدولة أن يكونوا متواضعين وصادقين.
في فرنسا هل يمكن أن يكون الشعب مهووساً بالمال، وقلقاً من الإرهاب؟ مجتمع متفاوت بشكل متزايد، في هذا السياق يمكن أن نفهم «قضية المرشح للرئاسة فيون» الذي قام بتوظيف زوجته واثنين من أبنائه كمساعدين برلمانيين، ودفع لهم مبالغ أكبر بكثير مما تسمح به الأنظمة.
هل ذلك يعني أن قضية فيون ستساعد بفوز مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، في الانتخابات؟ وهل هذا الاحتمال يعتبر نتيجة لعملية بدأت بخروج بريطانيا، واستمرت مع وصول ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية؟ بسبب النزعة الشعبوية، والخوف من الإرهاب.. مع ذلك، هنالك عدة بدائل غير لوبن وفيون. آلان جوبيه الرجل الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات الرئيسة للحزب الجمهوري من يمين الوسط، والثاني، إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد الأسبق كمرشح مستقل، هذا الأخير قد يكون ارتداداً معاكساً لخروج بريطانيا وفوز ترامب.
المستشارة الألمانية ميركل متشائمة. قضية اللاجئين، والإرهاب من جهة، وهناك متاعب ومشكلات تحيط بها من جهة أخرى. فإلى الشرق هناك الحكومتان الخائفتان من ألمانيا، بولندا وهنغاريا. وفي الشرق الأبعد روسيا. وغرباً أميركا بقيادة ترامب، وإلى الشمال بريطانيا التي غادرت أوروبا. وإلى الجنوب إيطاليا واليونان، اللتان تلقيان باللوم على ألمانيا في المتاعب الاقتصادية التي يعانيانها. في عصر ترامب لم يعد من الممكن لألمانيا الاعتماد على الولايات المتحدة. بل على العكس، ترامب يعبر علناً عن احتقاره لميركل في ظل هذا المشهد الاتحاد الأوروبي يمكن أن يبادر أولاً إلى زيادة الإنفاق لسداد التزامات حلف الناتو، وإمكانية الدخول في علاقة اقتصادية مع الصين. الشك والتشاؤم اللذان يحيطان باتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر المحيط الأطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سيفتحان المجال لتحالفات اقتصادية جديدة…. بالمقابل سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إصلاح منطقة اليورو. لتكون جزءا لا يتجزأ من أي اتحاد سياسي مستدام!
هل يريد الرئيس ترامب تدمير الاتحاد الأوروبي؟
ترامب ليس لديه حس تاريخي تجاه الحلفاء. ذلك إنه لم يقرأ ولم يعرف وإنما قفز بالمال إلى عصر التكنولوجيا الرقمية.. الإشارات التي أرسلها ترامب تهديدات تتطلب أن تأخذها أوروبا بعين الاعتبار…. معظم الفرنسيين، والمرشحين للانتخابات الرئاسية يرون بأن الجنرال ديغول كان محقاً بقوله لا يمكن الوثوق بالأميركيين، ويجب على أوروبا تشكيل مصيرها بنفسها. أداء الأحزاب القومية والشعبوية سيكون قوياً في الانتخابات. إذا فازت لوبن، فإن الكابوس الألماني سيبلغ مداه يجعل ميركل أكثر تشاؤماً. وسينهار الاتحاد الأوروبي كما قالت الناطقة باسم المفوضية الأوروبية.
أوروبا العجوز تجد نفسها بين مطرقة ترامب وسندان تزايد المد الشعبوي، والخوف من الإرهاب الذي ساهمت بعض أوروبا في صناعته… هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق يقول: إن (صدمة وصول ترامب للسلطة، تعرض حلفاء أميركا في بريطانيا وفرنسا وألمانيا لإحساس مرير بانعدام الثقة واليقين في مستقبل التحالفات عبر الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة) وهو ما يعتبر مؤشراً نحو أفول نجم الاتحاد الأوروبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن