قضايا وآراء

كيف يرد الكبار على نتنياهو؟

| د. مهدي دخل الله 

هناك فرق بين ردود الصينيين وردود الروس على «الهراء».. الصينيون يكتفون بابتسامة ساخرة يحملونها كل معاني الاستهزاء.. أما الروس فيضعون النقاط على الحروف بحزم.. الجواب واحد وإن اختلف الأسلوبان.
قبل عشرين عاماً كنت في عداد وفد برئاسة الأستاذ عبد اللـه الأحمر الأمين العام المساعد لحزب البعث زار الصين. أثناء المحادثات مع الرئيس الصيني آنذاك جيانغ زي مين قال لنا بأن نتنياهو زاره قبل فترة وأثناء المحادثات الرسمية معه قال بأن «إسرائيل» هي القوة العظمى السادسة لأنكم إذا جمعتم قوة إسرائيل السياسية والعسكرية مع نفوذ اليهود في العالم تكونت لديكم قوة عظمى سادسة. الرئيس جيانغ قال: «إنني اكتفيت بابتسامة سخرية وتابعت الحديث في أمور أخرى».
قبل أيام كان نتنياهو في موسكو، قال لبوتين إن الفرس هاجموا اليهود وسبوهم قبل ألفين وخمسمئة عام واليوم يحاولون فعل الشيء نفسه. بوتين أجاب غاضباً: «دعنا من قصص التاريخ التي تقترب من الأساطير وعد إلى عالم اليوم»..
في الوقت نفسه كانت بوارج حربية إيرانية في زيارة للموانئ الروسية.. إنه الواقع الحي في مواجهة أساطير ميتة..
يتساءل المرء بمرارة ما سر عقدة العظمة الإسرائيلية هذه؟ الجواب بسيط إنه ضعف العرب. بن غوريون قالها صراحة لجنوده الذين اجتاحوا سيناء إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956: «لا تفرحوا.. أنتم لم تنتصروا لأنكم أقوياء وإنما لأن العرب ضعفاء».. هذا هو السر الجوهري. إنهم منذ 1948 يعملون على إضعاف القاهرة ودمشق وبغداد، هذا التيار القومي التحرري الذي كان واعداً في الستينات فإذ به يصل إلى ما نحن عليه اليوم. القاهرة ذهبت مع كامب ديفيد وبغداد مع الاحتلال الأميركي ودمشق تحاول وحيدة إنقاذ نفسها من أعتى ما عرفت البشرية من حروب..
سؤال كبير لطالما حيرني: لماذا لم تشكل دمشق والقاهرة وبغداد، ومعهم الجزائر وبيروت، جبهة واحدة ضد عدو واحد مرة واحدة في تاريخنا المعاصر؟ لماذا كانت العواصم الثلاث متحاربة أكثر منها متقاربة منذ الخمسينيات وكان كل تقارب يعيش لحظات ثم ينتهي بفاجعة؟ كيف فعلها الخليجيون في مجلس تعاونهم وتحالفهم ولم يستطع القوميون الاقتراب منها؟..
لماذا علينا أن نفرح بما يقوله الصينيون والروس لنتنياهو في حين الدواء الحقيقي في سيف قوميْ «أصدق أنباءً من الكتب»؟؟..
هل تعتقدون أن فلسطين ستنتصر ولديها مقاومة مؤلفة من /16/ فصيلاً متخاصماً ومتنافراً وهم أنفسهم لا يعرفون على ماذا يختلفون؟ تماماً كما كانت دمشق والقاهرة وبغداد لا تعرف على ماذا تختلف؟؟..
هل كان الفيتناميون سينتصرون لو لم يكن لديهم فييتكونغ واحد، جبهة تحرير واحدة، وهل كان الجزائريون سينتصرون لو لم تكن لديهم جبهة تحرير واحدة؟؟..
دعونا من لوم الآخرين… ولنوجه اللوم إلى أنفسنا نحن في ما كان يسمى «التيار القومي التحرري»؟؟.. هذا التيار الذي لطالما أعطى الأولوية لخلافاته واختلافاته تاركاً العدو المشترك يسرح ويمرح.. ولو أنه تعلم من «الرجعية» كيف ترص صفوفها لما وصلنا إلى إسرائيل تبني «شعورها بالعظمة» على ظهر ضعفنا!..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن