ثقافة وفن

جنون الحب، والحرب

وسام حمود : 

لكل زمن حكاية، ولكل حكاية بريقها، منها ما يكتب على الجدران، وما يحفر على الشجر، ومنها ما تسطره شوارع، وطرقات، ليغدو يوماً ما أيقونة لها أثرها الذي لا يخبو، وللحب في الحرب جنون لا يشابهه جنون آخر… في الحروب يختلط الدم بالماء، وينصهر الألم بالأمل، ويتعانق الحبيبان وتتشابك الأنامل في لحظة فراق يكسوها أنين داخلي لا يصدر عنه صوت، عيون تتلاقى في لحظة وداع يختلف عن أي وداع اختبرناه، ففي الحروب للوداع وميضه الحارق الذي تسلم من خلاله أنك مفارق حتماً وإلى الأبد.. الحرب أتت لتأخذ معها كل قلب متعلق بالحياة، وكل عين لم ترتو بعد من سماء زرقاء، ولم تكتف من رحيق زهرة لم يتذوقها بعد، الحرب أتت ولا يهم من أين؟ وكيف؟ يكفي أنها أتت لتحرق كل حروف العشق ولتحوله إلى يباس، يكفي أنها أتت لتحول الغناء إلى عويل، والضحك إلى أنين، والأمل إلى ألم، نعم أتت وطالت إقامتها وترفض إخبارنا عن موعد الرحيل. في جنون الحرب، نحب الحب، ولا نملك سلاحا آخر لردعها، فلا نجده وراء جدار مختبئ يخشى من واش هنا أو هناك، ، في جنون الحرب لم ترتعد أوصال الحب من قذيفة هنا تبتر أطرافه، ولا من هاون هناك يحرق عينيه، ولا يأبه لشظية تفتك بنبضات قلبه وتوقف مسيرة عشقه… في جنون الحرب لم يأبه العشاق بسرقة قبلة تحت مطر القذائف، فمع كل صوت قذيفة، هناك عناق ليس فيه رغبة بل فيه خوف على روح نغمرها، ويلي ذلك ضحكة وعناق وكلمة (نجونا)… في جنون الحرب لم تتيتم مقاعد الحدائق، ولم تشعر بالوحدة مفارقها، فما زالت تعج بصور تشكيلية مختلفة لعشاق مروا بها، سمعت رواياتهم، وطربت لغزلهم، وبكت لوداع بعضهم، وما زالت تنتظر من رحل منهم في جنون الحرب.. في جنون الحرب هناك حكايا عشاق تمردوا ورفضوا ارتداء ثوب السواد والدمار، وفي جنون الحرب عشاق قالوا سنعيش معاً في ملجئنا.. وفي جنون الحرب يأتي عيد الحب، لتبعث الرسائل، كيف أنت بعدي؟ وكيف حالكِ بعدي؟ لتأتيها في اليوم التالي علبة صغيرة بداخلها جديلة شعرها مزينة بشرائط حمراء، ورصاصة، وقصاصة ورق صغيرة مدون عليها.. أحبك رغم جنون الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن