من دفتر الوطن

نزار و.. أنا!

| عصام داري 

برع نزار قباني طوال حياته في وصف الورود والأزاهير والربيع كمترادفات للحب والعشق والوله، فهل هذه البراعة جاءت مصادفة أم إنها ترتبط بحياة الشاعر الكبير الذي ولد في الربيع وتوفي في الربيع؟.
في مثل هذا اليوم من العام 1923ولد شاعرنا في بيت دمشقي يشبه الجنة بوروده وأصصه الموزعة حول البحرة وعلى الدرج وكل زاوية في: «أرض الديار» ما أثر في كتابات وشعر هذا الشاعر المبدع الذي ذاع صيته في بلاد العرب والعالم.
بيت توفيق القباني، والد نزار، كان المحطة الأولى للشاعر، منها انطلق شعره إلى أرجاء العالم، نقل البيت الدمشقي إلى مشرق الدنيا ومغربها، ووصف مدينة دمشق بريشة من نور فقال:
«لا أستطيعُ أن أكتبَ عن دمشق.. دونَ أن يُعّرشَ الياسمين على أصابعي.. ولا أستطيع أن أنطق باسمها، دونَ أن يكتظّ فمي بعصير المشمش، والرمّان، والتوتِ، والسفرجل.. ولا أستطيع أن أتذكرها دونَ أن تحطّ على جدار ذاكرتي ألف حمامةٍ، وتطيرُ ألف حمامة..!».
كل ما كتبه نزار قباني في المرأة والحب والوطن صار مرجعية، لمن يريد أن يتقن فن الكلام والشعر والنثر، غير مسبوقة.
لن أمضي بعيداً في الحديث عن نزار قباني، لكنني سأكتفي بما هو خاص بي شخصياً، فقد كان شعره أول ما قرأته في حياتي من شعر، وقد أحببت الشعر لأنني عشقت شعر نزار.
كانت دواوين نزار قباني تدخل إلى بيتنا فور صدورها، وكنت أقرؤها المرة تلو المرة من «قالت لي السمراء» و«طفولة نهد» و«حبيبتي» وصولاً إلى نثره وكتاباته السياسية المتمردة على الواقع العربي الرديء.
في حوار إذاعي على الهواء مباشرة مع الإعلامية الكبيرة الصديقة هيام حموي، سألتني إن كنت قد عرفت نزار قباني شخصياً فقلت لها: «نعم.. عرفته مدة خمس وعشرين دقيقة!».
الحقيقة أنني اجتمعت بالشاعر الكبير في «الصالة الزجاجية» في منطقة الصنايع في العاصمة اللبنانية بيروت حيث كان نزار قباني يشارك معرض الكتاب بجناح خاص بدار نشر نزار قباني، حينها عرفني به الصديق الراحل عبد الرزاق السيد، مصور صحيفة الأنوار اللبنانية، صاحب صور أغلفة دواوينه.
الغريب أنني وقفت نحو خمس دقائق لم أنطق بكلمة وكأنني نسيت الكلام، أو أن التحدث إلى شاعر بحجم نزار قباني يحتاج إلى لغة تقترب من هذا العملاق الذي امتلك لغة العصر، وطوع الأبجدية، ورسم بالحروف أروع الشعر والنثر والأغاني التي غناها كبار المطربين العرب من أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفيروز وكاظم الساهر وسواهم.
لكنني تحدثت بعد تلك الدقائق الخمس فوجدت أمامي إنساناً رائعاً بتواضعه وأخلاقه وكان كلامه العادي يشبه شعره، فكأنما وهبه اللـه ملكة الشعر والموسيقا حتى في علاقاته العامة.
اليوم مولد الربيع، ومولد الراحل نزار قباني الذي كأنه اختار أن يموت أيضاً في الربيع، وفي الثلاثين من نيسان عام 1998 تاركاً لنا كنزا من الشعر والنثر هو كل الحب والعواطف الوطنية والإنسانية السامية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن