ثقافة وفن

حبر على ورق..

| د. اسكندر لوقا

في جلسة للنظر في المسائل المطروحة للمناقشة في مجلس عصبة الأمم المتحدة بتاريخ السابع عشر من شهر آذار عام 1926، قال مقرر العصبة بالحرف: إن الأحرف الأولى لاتفاقية دو جوفنيل- آراس، بين الحكومتين الفرنسية والتركية، وكذلك مضمون المادة الرابعة من صك الانتداب، لا تجيز للدولة المنتدبة التنازل عن أي جزء أو تأجيره من البلاد الخاضعة لانتداب.
هذا على حين كانت الأنباء قد ترددت في أروقة مجلس عصبة الأمم عن عزم فرنسا على التخلي عن بعض الأراضي الواقعة على الحدود الشمالية الشرقية لتركيا، وبالفعل فقد أعلنت الحكومة الفرنسية موافقتها في الثلاثين من الشهر عينه على التنازل لتركيا عن محطة سكة حديد باياس وبعض قرى مدينة كلس والمناطق المجاورة لها.
وقد أدت التنازلات المتتالية من فرنسا، إلى سلخ لواء إسكندرونة عن وطنه الأم سورية في نهاية المطاف كما هو معروف. وبهذا تكون فرنسا قد خالفت ما أقر في اتفاقية دو جوفنيل- آراس من جهة ومضمون المادة الرابعة من صك الانتداب من جهة ثانية، وبهذا الفعل أيضاً بات وعد الحلفاء للعرب خلال الحرب العالمية الأولى، فيما يتعلق بحقهم في تقرير مصيرهم بعد خلاصهم من المستعمر العثماني، مجرد حبر على ورق.
إن العودة إلى مثل هذه الوقائع التي واجهت سورية في القرن الماضي، وقراءتها وتحليلها من جديد، تبين طبيعة العقلية الفرنسية في الوقت الراهن، العقلية التي تسيّرها أحلامها لاسترداد خسارتها في مواجهة مصيرها أمام إرادة شعب سورية بعد سنوات من الاحتلال وممارسة أشكال العنف الذي لا يوصف بحق الوطنيين الذين قرروا الدفاع عن حقوقهم.
إن فرنسا اليوم، التي تراودها أحلام اليقظة، وتصور لنفسها إمكانية عودة عقارب الساعة إلى الوراء، يجب مقاضاتها بحكم القوانين الدولية لما ارتكبته من جرائم حرب في سورية زمن احتلالها، لا بل مطالبتها بالتعويض عما سببته من أضرار مادية ومعنوية، في بلد لا يزال يقطف رديء ثمار الاستعمار على أيدي المستعمر الفرنسي الذي لا يزال يغالي بقدرته على إيقاع الأذى بسورية التي طهرت أرضها من رجسه، كما هي تطهر أرضها في الزمن الراهن مجدداً من رجس الغزاة الذين وفدوا إليها من شتى دول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن