ثقافة وفن

بعد الأم.. احفرْ وطم… شهادات من واقع الحياة.. تدعم الأم الحضور والنجاح والمستقبل ببساطتها وحبها

| هبة الله الغلاييني

لأمهات الأرض تحية: نقبل أياديهن ونقدر تضحياتهن الثمينة وهن يجندن الجسد والفكر والروح لراحة أولادهن، حتى أصبح لديهن رصيد هائل من الحب والاحترام، ودعوات خالصة من قلوب أبناء وبنات أوفياء أبدعوا في أعمالهم وتصدروا المراكز المشرفة وهم يحملون في القلب رغبة في تشريف أمهاتهم ورد القليل مما تعلموه منهن، فهنيئاً لكل أم زرعت في أبنائها الخير على أنواعه وحصدت ثمار زرعها الطيب.

بمناصبها الرفيعة وشهادتها الأكاديمية العالية وخبراتها الكثيرة والمتشعبة، تنحني الدكتورة (صفاء محمد) حباً واحتراماً أمام والدتها وتصرح: «تمثل أمي كل شيء في حياتي، الله يعطيها طول العمر والصحة والعافية» كان كافياً على صفاء أن تنطق بهذه الكلمات حتى يرتسم التأثر على محياها، فتستجمع مشاعرها تجاه والدتها وتكمل بالقول: (لا أستطيع أن أعبر بالكلمات عما أشعر به تجاهها، أكتفي بالقول إنني أقبل قدميها ويديها فهي التي أنجبتني، وغرست في قلبي أسمى الفضائل وأجمل المعاني)، وتجد صفاء نفسها (عاجزة) عن التوقف عن مبدأ واحد أو قيمة بعينها تعلمتها من والدتها، تصرح قائلة: حياتنا مع والدتي حافلة بالعبر والدروس التي يستحيل عدها أو التوقف عند أحدها فقط. لقد تعلمنا أنا وإخوتي الكثير من والدتنا، ربما يكون أهم ما تعلمته منها أن أكون إنسانية بتجرد، وطيبة بتواضع، وأن أنظر إلى الناس من دون أن أتوقف عند أشكالهم أو ثقافتهم أو دينهم. لقد تعلمت من والدتي أن أكون خلوقة ومتسامحة، إلى فضائل أخرى كثيرة تسلحت بها في مشوار حياتي ومسيرتي العملية، فعادت علي بنتائج طيبة، وما المراكز التي تبوأتها، والقبول الذي ألقاه في قلوب الناس إلا دليل واضح صريح على نجاح الدور الذي لعبته والدتي في حياتي). وتختم القول: (أضع أمي فوق رأسي، فهي قدوتي ومثالي الجميل والخير، وأدعو الله أن أترجم بأفعالي ولو القليل مما تعلمته منها).
والدة الدكتور المهندس (سامر بريغلة) بالنسبة له هي حياته: «دور الوالدة هو دور الحياة، لا بل هي الحياة، ولا شيء بالمقابل يوازي دورها، سواء أكنت صغيراً أم كبيراً أو عجوزاً، فالرجل يحتاج إلى أمه مهما كبر وعلا شأنه، هذا ما أشعر به على الصعيد الشخصي، لأن والدتي أولاً وأخيراً تدعم حضوري ونجاحي ومستقبلي، ويكفي أن أنظر إلى ابتسامتها لتزول همومي وتختفي. غريب كيف يمكن لهذه السيدة أن تزيل غمي بابتسامة ومن دون أن أسر لها بمشكلاتي؟ ويتابع الدكتور سامر فيقول: «تعلمت من أمي الكثير مثل الصدق والأمانة ورفض الأمور السلبية في الحياة، وتبني الفضيلة والبعد عن الخطأ وكل ما يغضب الله، لطالما كانت هذه الإنسانية هي دافعي في الحياة وبوصلتي للوصول إلى شاطئ الأمان في كل مرة أضيع فيها بوصلتي» ويختم قائلاً: (لأمي أرفع القبعة وأرسل القبلات والشكر والاحترام، هي عنوان التضحية والحب الصافي الجميل والخبرات التي غرستها في نفسي أعدها بأن تزهر خيراً وبركة).
ما الدور الذي لعبته والدتك في حياتك؟ سؤال طرحته على المسنجر على الشاب المغترب (هاني الكلسلي)، الذي هاجر إلى هولندا بعيداً عن وطنه وأمه وإخوته. يقول: «والدتي هي إنسان بسيطة جداً، تعلمت منها البساطة، وقامت بتربية ثمانية شبان وبنتين، من غير تذمر ولا كلل، هي الأم والأب، فبعد وفاة والدي منذ زمن بعيد، وعلى الرغم من أنها كانت في عز شبابها، في الأربعين، من عمرها، حملت على كاهلها مسؤولية البيت، والنفقة، والإدارة، وقامت بإكمال مسيرتنا التعليمية والمهنية بكل حنان، لتخلق منا رجالاً أشداء أقوياء ويتحملون أعباء الحياة وصروفها، تعلمت منها المثابرة وعدم الاستسلام للظروف الصعبة، هكذا ومن دون أن ألاحظ، صرت إنساناً مجداً مثابراً لا أهاب الظروف ولا أستسلم لها، متمسكاً بإيمانها بأن على الإنسان أن يسعى ويتوكل على الله، فبنيت شخصيتي وتسلحت بالعلم والمعرفة وحصلت على المهارات والخبرات الحياتية لاعتز بين أقراني) وينهي رأيه: «إن والدتي تصف الحياة بأنها رحلة قصيرة لا تستحق العناء والجهد، وترى أن الإنسان الجيد هو من ينظر إلى عاقبته أكثر من يومه، وأنا مقتنع بذلك تماماً».
وإذا كان الناس يجمعون على أن دور الأم محوري في حياتهم بشكل عام، فإن القاضي (محمد أبو الشامات) يؤكد أن والدته لعبت الدور الأبرز في مسألة تعليمه، ويعقب موضحاً أنه (على الرغم من كون والدتي لم تحصل على أي قدر من التعليم، إلا أنها كانت تؤمن أشد الإيمان بضرورة تعليم أولادها، بل تجاوزت ذلك ببث روح التحدي في أنفسنا لننجز ونتفوق ونتميز) ذلك لأن القاضي (أبو الشامات) يحمل الكثير من المشاعر لوالدته، تراه يسرح بأفكاره مسترجعاً حضورها في حياته، ثم يعقب قائلاً: (أذكر تلك الليالي الطويلة حين كنت أنا وإخوتي نسهر لندرس، كانت هي، رحمها الله، تغالب النعاس، وتصر على أن تسهر معنا لكي تلبي طلباتنا، فقد كان من المستحيل أن تنام وأحد أبنائها مستيقظ إلى أن ينهي واجباته المدرسية».
ويخوض الأستاذ محمد أكثر في ذكرياته: (كانت أمي مديرة المنزل تديره على الطراز الرفيع، تعرف كيف تحقق الكثير بأبسط الموارد المتوافرة لها، وبشخصيتها تلك نجحت في مساعدة والدي في تربيتنا، فكان لابد أن أتعلم منها هذه المهارات كلها).
وينتهي (محمد أبو الشامات) حديثه بالقول: (ينطبق على أمي بيت الشعر الذي ينطبق على جميع الأمهات المثاليات وهو (الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعباً طيب الأعراق) تلك كانت أمي وتلك مبادئها التي لا تموت مثل روح المثابرة التي ترافقني دائماً وأبداً.
(كيف يمكن للكلمات أن تعبر عن الدور الذي لعبته والدتها في حياتها؟) تساؤل يدور في خلد مديرة مدرسة: (خولة الأسعد)، التي تجيب بعد محطة تفكير أرادت من خلالها أن تستجمع كلمات تفي (ست الكل) حقها، فتقول: «والدتي لعبت دوراً كبيراً في حياتي ولا يمكن اختزاله في كلمات، لكنني لا أخفيكم أنها وراء وصولي إلى هذا النجاح بفضل تشجيعها المستمر على مواصلة عملي والتقدم فيه» تشرد الأستاذة خولة في ذكرياتها الجميلة مع الوالدة وتحكي: (كانت والدتي تردد على مسامعنا أنا وإخوتي أن حكومتنا لم تقصر معنا، فلا تقصروا أنتم في بناء مستقبلكم وخدمة بلادكم).
وتتابع: (كانت لنا، نحن أولادها، القدوة والمثال، لأنها كانت أول امرأة تحصل على رخصة قيادة في دمشق، هذه الإنجازات وغيرها تركت أثراً كبيراً في نفسي ولعبت الدور الأكبر في تعزيز طموحي وتطلعاتي صوب التميز) وتكمل قائلة: (ليت العبارات تستطيع أن تفي أمي حقها وأن تعبر لها عن حبي واحترامي لتوجيهاتها الدائمة في حب الناس والعمل والوطن، فهي زادي في طريق الوصول إلى كل ما أطمح له).
ومني أقول: كل الحب والتقدير والاحترام لكل أمهات الأرض، وأمهات الشهداء والأبطال في سورية، وتحية صادقة لتضحياتهن وأدوارهن التي لا تنتهي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن