الأولى

الغارة الإسرائيلية: ذروة الفشل

| بيروت – محمد عبيد 

كان قادة العدو الإسرائيلي يعتقدون أن المؤامرة التي ضربت سورية سَتُنهي قدرات الجيش العربي السوري الإستراتيجية فيما يعني الصراع التاريخي ضد هذا العدو، والأهم أنهم ظنوا أنها ستقضي على إرادة الدولة السورية في إدارة هذا الصراع وتحديد قواعد الاشتباك السياسية والعسكرية اللازمة.
وراهن قادة العدو أيضاً على أن تحشيد هذا الكم الهائل من الإرهابيين التكفيريين في سورية سيؤدي حكماً إلى تشتيت قوة النظام السياسي فيها، وبالأخص منها المفاصل العسكرية والأمنية التي كانت ومازالت الضامن لتوجهات هذا النظام الوطنية والقومية كموقع عربي متقدم ومقاوم للمشاريع الأميركية والإسرائيلية والإقليمية التابعة لها.
هذا ليس توصيفاً «خشبياً» كما يحلو للبعض أن يسميه، بل هو قراءة واقعية لأهداف تلك المؤامرة، كذلك لنتائجها المعاكسة التي بدأت تظهر ملامحها عبر تمكن مكونات الدولة السورية موحدة ومجتمعة من تجاوز هذه الأهداف، وبالأخص الإستراتيجية منها لجهة السعي لإخراج سورية من دائرة المواجهة مع العدو الإسرائيلي غصباً عنها بعدما تعذر ذلك من خلال التفاوض كما حصل مع دول عربية أخرى.
منذ بداية الأزمة، سعى الكيان الإسرائيلي إلى الاستثمار في حاجة المجموعات الإرهابية التكفيرية الموجودة في الجنوب السوري إلى ظهير يشكل امتداداً لوجستياً لها، لذلك حاول أن يقدم نفسه على أنه «الجدار الطيب» الذي يمكن لهذه المجموعات أن تحتمي في ظله. وكان هدف هذا الكيان ومازال تشريع الفوضى في تلك المنطقة وخصوصاً منها تلك المحاذية لخط الفصل مع الأراضي المحتلة في الجولان على اعتبار أن الفوضى تبرر تدخله عندما تدعو الحاجة الأمنية لذلك، إضافة إلى أن غياب الدولة في الجهة المقابلة تنهي فكرة المطالبة باستعادة الأرض المحتلة أو السعي لتحريرها. وقد كرس هذه الرؤية لدى الكيان الإسرائيلي تهافت بعض وجوه مايسمى «المعارضةالسورية» لزيارة هذا الكيان وتقديم التنازلات التي تبدأ بإسقاط صفة العداء عن هذا العدو ولا تنتهي بالإقرار بسيادته على أرض الجولان كما على فلسطين والأراضي العربية الأخرى التي مازالت محتلة.
غير أن هذا الاستثمار لم يجدِ نفعاً لأنه كان ومازال مترافقاً مع حذرٍ شديد من التورط في الأزمة في سورية لأسباب عدة أهمها أولاً: إن مساهمة إسرائيل في تقديم الدعم المباشر للمجموعات الإرهابية في منطقة جنوب سورية سيؤدي قطعاً إلى امتداد نار المواجهة إلى أطراف الجولان المحتل وبالتالي سيفتح جبهة لها تداعيات إقليمية ودولية هي بغنى عن مواجهتها حالياً. ثانياً: عدم تمكن إسرائيل من صياغة شراكة أمنية-عسكرية مع الأردن حول منطقة الجنوب تسمح لها باستعمال هذا الشريك واجهة تتحرك خلفها بحرية من دون أن تتحمل تبعات أي تطورات دراماتيكية تؤثر في قواعد الاشتباك على خط المناطق المحتلة. ثالثاً: وهو الأهم، الرعب الذي يسكن عقول ونفوس قيادات العدو الإسرائيلي من ربط جبهة الجولان بجبهة الجنوب اللبناني وبالتالي صياغة إستراتيجية مواجهة موحدة بين الجيش العربي السوري وحزب اللـه اللبناني مدعومين من الحليف الثوري الإيراني على مستوى الخبرات القتالية التي اكتسبوها جميعاً في لبنان وفي سورية.
على الرغم من أن الغارة الإسرائيلية على شرق تدمر لم تكن رسالة تحذيرية إلا أنها لم تأتِ بجديد يعزز محاولات كيان العدو النيل من استعدادات قوى المقاومة في سورية تسليحاً وتجهيزاً، ذلك أن الرد السوري المباشر ثَبَّت معادلة القدرة على إلحاق الهزيمة بالمجموعات الإرهابية وداعميها في سورية والإعداد لمواجهة محتملة دائماً مع العدو الإسرائيلي والتصدي له في الوقت ذاته.
المعضلة الجديدة التي يواجهها قادة كيان العدو اليوم أن الضوء الأصفر الذي يمكن أن يَدَّعي نتنياهو أنه حصل عليه من ترامب لاستهداف قوى المقاومة لن يتجاوز الجغرافية السورية في حال تمكن من تجاوز الخطوط الحمراء الروسية، وهي جغرافية تتسع لمناورات ذكية كما تسمح لهذه القوى التلاعب بأعصاب هؤلاء القادة وأجهزتهم الأمنية والعسكرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن