ثقافة وفن

تقبل الاختلاف مع الآخرين

| حسين مهدي أبو الوفا

لكل منا شخصيته المميزة، ونظرته الخاصة للحياة. وكل منا يفضل أشياء معينة، ويفسر الأمور من منظوره الخاص، ولأننا تربينا وتعلمنا أن نفكر بطرق معينة. سواء كانت هذه الطرق سليمة أم خاطئة قابلة للتغير أم لا تقبل ذلك فإن لكل منا أسلوبه الخاص في فض المنازعات، ونظرياته الخاصة في تفسير أسباب حدوث الأشياء. وما يراه البعض مهما قد لا يكترث به الآخرون، ولكل شخص مدرك واعٍ القدرة على انتقاد وإيجاد الأخطاء في أسلوب التفكير وتصرفات الآخرين، ويمكن لكل شخص أن يثبت أن نظرته واقعية عن طريق التركيز على بعض الأمثلة سواء كانت من الواقع أم من رسم الخيال التي تؤيد وتدعم ما يقول أو يعتقد، أي إن كل شخص يرى نظرته للحياة صحيحة ومنطقية، ولها ما يبررها.
والمشكلة أن هذا الأمر لا يقتصر على شخص دون آخر.
فشركاء حياتنا وأولادنا وآباؤنا وأصدقاؤنا وجيراننا وغيرهم من الناس على اقتناع بأن نظرتهم للواقع نظرة دقيقة كل الدقة. ومن الصحيح تماماً أن تتوقع من الآخرين ألا يفهموا لماذا أنت لا ترى الأمور كما يرونها؟ وأنهم يظنون أن كل شيء سيكون على ما يرام إن استطعت أن تحذو حذوهم.
فلماذا إذا– وكلنا يعرف ذلك– يستمر الإحباط والضيق لدينا بسبب أننا نختلف كثيراً؟ ولماذا نغضب بسهولة عندما يعبر شخص نعرفه أو نحبه عن رأي مغاير أو وجهة نظر مختلفة، أو يفسر شيئاً تفسيراً مختلفاً أو عندما يرى أننا على خطأ؟ وفي رأيي الإجابة عن هذا السؤال بسيط، للغاية. إننا ننسى أن كلاً منا يعيش منفصلاً من الناحية النفسية، وأن العوامل المختلفة التي تؤثر في الآخرين قد لا تؤثر في غيرهم فطفولتي وخبرات حياتي كانت وستظل مختلفة عن طفولتك وخبرات حياتك ولهذا تختلف نظرتي للحياة عن نظرتك، وما يغضبني قد لا يؤثر فيك البتة، والعكس أيضاً صحيح بالنسبة إليك ولكي تصبح أكثر طمأنينة، وأقل حدةً عليك أن تذكر نفسك بأن الاختلاف سنة الحياة، وبدلاً من أن يدهشك هذا عليك أن تتعلم توقعه وتقبله. وبدلاً من أن تغضب عندما يختلف معك من تحب حاول أن تقول لنفسك: بالطبع له نظرته الخاصة لهذا الشيء، وبدلاً من أن تكون متحفزاً للصراع عندما يختلف تفسيرك لحدث ما عن تفسير شخص آخر، حاول أن تتذكر بفرح تلك اللحظات وامتنان تلك اللحظات التي اتفقتما فيها، حتى ولو كانت لحظات نادرة.
إن تقبل الاختلاف لا يعني أن وجهة نظرك أقل أهمية أو أقل صحة، بل يعني أنك لن تصاب بالإحباط بسبب أن الآخرين لا يتفقون معك دائماً. أو لا يرون الأمر كما تراه. وقد تريد في كثير من الأحيان أن تتمسك بآرائك وقيمك. وهذا من حقك. ولكن لا تنس وأنت تفعل ذلك أن تبدي احتراماً وتفهماً لآراء الآخرين أيضاً. فهذا ينهي قدراً كبيراً من المشاكل ويضع حداً للخلافات والمناقشات التي يمكن أن تحدث. وفي معظم الحالات يحس الشخص الذي تختلف معه بمدى احترامك له ومن المحتمل جداً أن يكون أكثر تقبلاً لك أيضاً.
وإضافة إلى ذلك فإنك عندما تعتاد التعامل بسلاسة مع المثقفين الآخرين ستجدهم أكثر اهتماماً بالآخرين وبآرائهم ما يجعل وجودك معهم مصدراً للثقة والراحة وسوف تعلم أنك تتخذ من المثقفين وغير المثقفين أفضل ما عندهم وتسمح لهم أن يأخذوا أفضل ما عندك وبهذا يكسب الجميع وقد ساعد هذا التحول في رأيي الكثير من الصداقات والعلاقات الثقافية كما رأيت بنفسي. وهذا شيء لا صعوبة فيه كما أنه يحمل قدراً كبيراً فيه المتعة. فابدأ من اليوم إذا في تقبل الاختلاف فهو جهد يستحق ما يبذل فيه.
طبعاً أن هذا لا يعني أن تتنازل عن معتقداتك وآرائك وتتجاوز الخطوط الحمراء والقيم وأخلاقيات المجتمع وإنما ترك مساحة للتقارب مع الآخرين واحترامهم وتلاقح الأفكار البناءة معهم لبناء مفاهيم وعلاقات مبنية على الاحترام والثقة وقديماً قالوا: الاختلاف لا يفسد للود قضية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن