ثقافة وفن

المبدعون الكبار بين نبض الحياة وتجليات الإبداع … أنا شاعر الجسد وأنا شاعر الروح.. مسرات النعيم معي.. وعذابات الجحيم معي

| سارة سلامة

«شهب عابرة للزمن» كتاب صدر عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب، يقع في نحو 500 صفحة من القطع المتوسط، يستعرض فيه المؤلف وفيق يوسف السير الذاتية لـ33 كاتباً عالمياً مبدعا، ومن الأسماء المتناولة: الأدباء والروائيون الروس دوستويفسكي، وتولستوي، وأنطون تشيخوف، والكسندر بوشكين، ونيقولاي غوغول، إضافة إلى شاعر وفيلسوف الهند «طاغور»، والمسرحي الإيطالي «بيراندللو»، والروائي الأميركي «هنري ميللر» والشاعرين الفرنسيين «لويس اراغون»، و«ارثر رامبو» وغيرهم من الأسماء المعروفة، مدققاً في تفاصيل ووقائع حياتهم من الفقر والغنى إلى دور العائلة في التنشئة والظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة بهم.

وذكر وفيق يوسف في المقدمة أن فصول هذا الكتاب تمثل حصيلة رحلة عذبة وشيقة، ومؤلمة، في آن معاً! مع كوكبة من كبار المبدعين العالميين، الذين يمكن القول، دونما تردد، إنهم أضاؤوا ليل هذا العالم الطويل، وإنهم بعثروا أعمارهم لاهثين مكدودين، مستنزفين غالباً، فقراء مدقعين في معظم الأحيان، ملاحقين من قبل أعداء الحياة دائماً، باحثين عن نقطة ضوء تلوح من بعيد، من نهاية هذا النفق الطويل الذي يسير فيه إنسان العصور الحديثة، مصرين على الدوام على وجود أمل بغد أكثر إشراقاً، تتحقق فيه- أخيراً- للإنسان، أحلامه القديمة والبسيطة: حلمه بالشمس، والخبز، والحرية، والكرامة الشخصية.

هذا رجل
إذا كان «وليم شكسبير» رمز الثقافة الإنكليزية الأول، «وسرفانتس» رمز الثقافة الإسبانية الأول، و«دانتي» رمز إيطاليا الأشهر، و«موليير» رمز فرنسا ومصدر اعتزازها، فإن «غوته» يعتبر الرمز الأشهر في تاريخ الثقافة والأدب الألمانيين، ومصدر اعتزاز ألمانيا ومفخرتها على مر العصور.
ولد «ولفغانغ غوته» في 28 آب 1749، في مدينة فرانكفورت الألمانية.
ويمكن اعتبار رواية «فاوست» مشروع العمر بالنسبة لغوته، لقد شغلته منذ ولدت كفكرة في ذهنه عام 1772 وحتى كتابة فصولها الأولى عام 1775 ثم نشر تلك الفصول عام 1790، ثم كتابة فصول أخرى سنة 1800 وحتى ظهور الجزء الأول عام 1808 إلى أن شرع بكتابة الجزء الثاني عام 1824 فأتمه سنة 1831 أي قبل وفاته.
وتتحدث الرواية عن نموذج رجل عبقري فذ، يحيط بجميع المذاهب الفكرية والمعارف الكبرى.
ولكن التوق إلى المزيد من المعرفة يجعله يطمح إلى معرفة أسرار ما هو غير منظور، وعندما يفشل في ذلك يفكر في الانتحار للخلاص من شهوة المعرفة، وكما جاء على لسانه «الرجل الذي يشعر بفقر الحياة وضيقها ويسمو إلى عالم اللانهاية» وتمثل، أيضاً وأيضاً، الرجل الذي تتقاذفه الأهواء المتصارعة، فهو متعطش إليها جميعاً، ودائماً.

إني أسمع أميركا تغني
تعتبر الثقافة الأميركية من الثقافات الحديثة في العالم، بمعنى أنها ليست عميقة الجذور في التاريخ، بسبب حداثة التكوين الأميركي ذاته.
إذ بالكاد يتجاوز عمر الأمة الأميركية القرنين ونصف القرن من الزمان، ومن هنا فإن الرموز الثقافية التي تحتل مكاناً فريداً في وجدان الشعب الأميركي ليست كثيرة العدد! ولعل من أبرز الرموز يأتي اسم الشاعر الشهير «وولت ويتمان»، الذي لا يزال شعره يشق طريقه بثبات إلى قلوب ملايين الناس، محتفظاً بحرارته ونبضه الخلاق.
ولد «وولت ويتمان»، في 30 أيار 1819 في قرية «ويست هيلز» التي تبعد عن نيويورك ثلاثين ميلا فقط، لأسرة متواضعة تملك مزرعة صغيرة، وهو ما دفع الأب إلى هجرة المزرعة نتيجة ضآلة مردودها، فانتقل مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى مدينة بروكلين القريبة من نيويورك، وقد عمل الأب في البداية نجاراً ثم تحول إلى حرفة البناء، وهذه بعض الأبيات من قصيدته التي تحمل عنوان «أغنية نفسي»:
أنا شاعر الجسد وأنا شاعر الروح
مسرات النعيم معي
وعذابات الجحيم معي
أطعم بالأولى نفسي وأنميها
وأترجم الأخرى إلى لسان جديد

اتركوا للبطل قلبه
يفخر الشعب الروسي بكوكبة لامعة من الأدباء، الذين صنعوا مجد روسيا الأدبي حتى يومنا هذا، وعلى رأس هؤلاء الأدباء العظام يأتي اسم الشاعر والروائي والكاتب المسرحي الكبير الكسندر بوشكين.
ولعل الأدب الروسي، واللغة الروسية، لم يعرفا كاتبا استطاع تمثل الطبيعة الروسية، والشخصية الروسية، والروح الروسية، كما فعل بوشكين.
من المدهش أن هذا المبدع عاش فقط سبعة وثلاثين عاماً، ولكنها كانت كافية لتجعله خالداً وحياً وحاضراً حتى يومنا هذا!
ترى، كيف استطاع شاب قتل في السابعة والثلاثين من عمره، أن يملأ الدنيا باسمه شاعراً، وناثراً، وعاشقاً؟
اندمج بوشكين في هذه الحياة الفكرية المتوقدة التي تستجيب لمتطلباته الروحية وفلسفته الحياتية، وراح يكتب القصائد الملتهبة التي تداولها الناس بشغف، ومن قصيدة «الحرية»، التي هاجمت الطغيان القيصري بوضوح، نقتطف المقطع التالي:
أيها الوغد المستبد
أكرهك أنت وعرشك
أنت كابوس العالم وخزي الطبيعة
وملامة اللـه على الأرض
يبقى أخيراً أن نذكر أن هذا الكتاب ليس دراسة أكاديمية، وغير مخصص للنخبة، بل لعموم القراء، من مختلف الشرائح الثقافية والاجتماعية. إنه رحلة قام بها الكاتب عبر بطون الكتب، ملاحقاً تفصيلاً هنا، وخبراً هناك، سعياً وراء رسم «بورتريه»، خاص لكل مبدع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن