من دفتر الوطن

إيفا الأصيلة

| حسن م. يوسف

أستطيع القول بثقة إن الدورة الرابعة من مهرجان خطوات السينمائي الدولي للأفلام القصيرة الذي أقيم في اللاذقية مطلع الشهر الحالي كانت أهم حدث ثقافي يشهده الساحل السوري خلال العامين الماضيين، إذ تميزت هذه الدورة بتكريمها للسينمائية السورية المغتربة، ابنة اللاذقية، إيفا داود وعرض فيلمها الأخير «سارق النور».
والحق أن سيرة حياة السيدة إيفا مثيرة للفضول والإعجاب في آن معاً، فبعد أن حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد قامت بانعطافة حادة نحو تحقيق حلمها القديم في دراسة السينما فتوجهت لأكاديمية نيويورك للأفلام حيث تتلمذت على يد البروفيسور نورمان بي شوارتز، عضو الشرف الدائم في لجنة اختيار أفلام الأوسكار والذي تتلمذ على يديه غير جيل من أبرز السينمائيين الأميركان وعلى رأسهم ستيفن سبيلبيرغ وكلينت إستوود.
كان طموح إيفا عندما انتسبت لصف الإخراج أن تصبح مخرجة لأفلام اليافعين وأفلام الرسوم المتحركة التي تروي قصصاً خيالية، وقد تجلى هذا التوجه في أفلامها القصيرة الأولى «السندريلا الجديدة»، «في غيابات من أحب» و«عفريت النبع» إلا أن حبها لوطنها السوري وتألمها من الحرب التي تشن عليه، أبعدها عن ذلك الطموح. صحيح أنها لا تحبّ السياسة إلا أن فيلمها القصير «ربيع مر من هنا» أخذها بعيداً عن الخيال وجعلها تنغمس في الوجع السوري. صحيح أن الفيلم يتناول الجانب الإنساني من المحنة التي تعصف بنا، ولا يقارب السياسة البتة، لكنه يعبر بوضوح عن انحيازه لسورية الوطن والإنسان والحضارة، ما جعل من يسمون أنفسهم «المعارضة السورية» يحاولون منع عرضه في عدة مهرجانات باعتباره «يروج لرواية النظام». رغم ذلك فقد حصل الفيلم على سبع جوائز متتالية في عدة مهرجانات سينمائية في الولايات المتحدة الأميركية، وقد أهدت إيفا كل تلك النجاحات لرجال الجيش العربي السوري.
أستطيع القول من خلال مشاهدتي لأفلام المخرجة إيفا داود ضمن تسلسل إنتاجها: إن هذه المخرجة لا تكف عن صقل أدواتها وتطوير رؤاها الفنية، وقد تسارع هذا التطور وتصاعد بين فيلمها الخامس «ربيع مر من هنا» وفيلمها السادس «سارق النور»، الذي كتبته وأخرجته، بحيث يمكن القول إن إيفا حققت قفزة نوعية بين هذين الفيلمين.
صحيح أن صراع الحب والتملك موضوع قديم قدم البشرية، إلا أن ما تميزت بها إيفا داود في فيلمها سارق النور هو أنها استعادت لنا متعة مشاهدة السينما، عندما روت لنا الحكاية بلغة بصرية جديدة وحساسية إنسانية صافية عميقة التأثير، تمكن كل مشاهد في العالم بغض النظر عن لغته ومستواه الثقافي أن يتمثل الفيلم ويتلقى جمالياته.
إن فيلم «سارق النور» ليس مجرد حكاية عن رجل يسرق نور الحب من فتياته، لتأتي أخيراً من تتفوق عليه بلعبته الشريرة، بل هو أشبه بدواء مديد التأثير يذوب في أرواحنا ببطء.
لقد حذت إيفا داود حذو هتشكوك إذ ظهرت للحظات في أحد مشاهد فيلمها، كما وجهت تحية غير مباشرة لوطنها سورية عندما أدخلت الحلوى السورية في المشهد الذي ظهرت فيه.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي عرض فيلم سارق النور في مهرجان مسقط السينمائي وقد لعبت المصادفة التي أسميها ذكاء الطبيعة، دورها في إنصاف «سارق النور»، فعلى حين حرمت لجنة تحكيم المهرجان العربي فيلم «سارق النور» من أي جائزة أو تنويه، قامت لجنة تحكيم مهرجان يوتا العالمي للسينما في الولايات المتحدة بمنحه أهم ثلاث جوائز يقدمها المهرجان وهي جائزة أفضل إخراج، جائزة أفضل فيلم قصير، وجائزة أفضل مونتاج. وما يزال «سارق النور» يحقق النجاح تلو النجاح في مهرجانات العالم حتى زادت جوائزه على السبعين.
تحية للمخرجة السورية المغتربة إيفا داود التي ننتظر منها الكثير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن