ثقافة وفن

د. زهير سعود وإشكاليات القصة القصيرة جداً

| الوطن- صبا العلي

تعتبر القصة القصيرة جداً عالماً فنياً رحباً شبه متكامل بأدواته الفنية والتعبيرية كجنس أدبي يزخر بالمتغيرات والحركة والاضطراب والألوان ورغم قدم ولادته التي تلازمت مع ولادة الشعر المنثور إلا أنه انتشر اليوم بين أقلام الكتاب حيث راجت الأنماط الأدبية السهلة التناول بسبب واقع المتغيرات الحياتية وتعقيدات التفاصيل ليوميات لا تحتمل الإسهاب، وكان للناقد والأديب زهير إبراهيم سعود وقفة مع صحيفة «الوطن» حول تجربته كأديب وطبيب والتي شكلت إنساناً مميزاً طرق باب هذا الجنس الأدبي بشفافية وحب لعالم قصصي واسع بمعايير خاصة وأفاق متنوعة.
التحولات السريعة في تنوع الاتصال مع المحيط البيئي بعادات اللباس والغذاء والإشباع الفكري حيث رواج اللغة البصرية الإيحائية في استعراض غايات المنجز الفني من أهم أسباب رواج فن القصة القصيرة جداً بين صنوف الأدب وقد رافق ذلك سهولة الاتصال بواقع عالمي جديد اعتمد الأساليب اللغوية السريعة والسهلة وهي أساليب بحسب ما أورده سعود وظفت ما يمكن تسميته اللقطة البانورامية في أصناف الفنون الإنسانية لتقوم على الاختصار والاختزال والابتعاد عن الصيغ التعبيرية والمحسنات البديعية والتكرار والشروح والفوضى بتفاصيل المنجز الروائي والملاحم الشعرية.
وفي إطار من التجديد المنضبط تبدأ رحلة الأديب زهير سعود في رحاب القصة القصيرة جداً حيث خاض غمارها متأثرا بالشاعر والأديب الكبير جبران خليل جبران في إطار فلسفي يسعى للتكامل وتحقيق قفزات نوعية مبنية على أسس سليمة وثابتة، ما دفعة للوقوف على ما يمكن أن يعتري هذا الجنس الأدبي من إشكاليات وعوائق يقول: إن أكثر ما نخشاه هو أن يطرق أبواب القصة القصيرة جداً متسلقو الثقافة حيث كثر الأدب الرث والاستسهال.
لنشهد تصاعد وتيرة الانجراف بالأدب إلى الفراغ الابستمولوجي في أساطير الأدب مشيراً إلى أن تطور هذا النوع الأدبي جاء نتيجة تحرك القوى الفكرية من الثابت إلى المتحول تاركة المجال لنفسها بالبحث في إطار من التصوف والكينونة حيث رد مكوناتها الأساسية في رحلة التصاعد إلى التطور المعرفي الذي يميز الإنسان عن باقي المخلوقات /الابستمولوجيا/، وبوصف سعود طبيبا للأمهات والأجنة يسقط تجربته على الأدب ليرد معظم السلوكيات التي تترسخ وتظهر بأعلى درجاتها إلى متلازمتين لدى الإنسان وهما / الدفء والجوع / فعليهما تبنى كل السلوكيات لسد الفجوة والإشباع الغرائزي والفكري والنفسي مركزاً على دور المرأة كأول مستقبل حاضن للطفل يرعى حاجاته ويوجه غرائزه ما يعكس كينونته في عالم الفن والأدب من صوغ لأخلاقه وتربيته وما يترتب عليهما من نقص أو اكتمال.
يقول في قصة إبداع:
أنهى برامج تدريب الحيوان
ألقى مراجعه في بردعة حماره انكفأ على تلقين جروه عامين… زاره الأصدقاء…. فاستقبلهم بالعواء وكلبه بالنهيق وصفق الحمار….
وهنا يتبدى مستوى الترميز في مضامين القصة والذي يعد من أهم ميزاته
الفنية المبنية على حكمة «خير الكلام ما قل ودل».
ويؤكد سعود دور الأدب والأدباء في المرحلة الراهنة حيث اجتياح إعصار العولمة الفكرية وهجرة العقول أو تهميشها والعزوف عن القراءة بين أبناء الجيل الجديد حيث الحاجة الماسة إلى إعادة إنتاج الإنسان السوري ما يدفع إلى جهود مضاعفة وقوى مشتركة لترميم الفكر الذي أصابه التشظي وهنا لا مكان للمواقف الحيادية فهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع وخصوصاً أن ما يتهدد الصيغ الأدبية هو كثرة الكتاب وقلة الأدباء لاستسهال الكتابة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات والمواقع الالكترونية، وادعاء الزعامات الأدبية بالمجان ومنح الثقات الواهية وخصوصاً في الأجناس الأدبية المقتضبة حيث ينظر البعض لعدد كلمات السرود ويعتبرها خاصية إنتاجية سهلة الولوج فيسلك طريقها ليجد من يدعمه ويستظرف نتاجه الرث تبعا لدوافع معزولة عن الثقافة، ما أشاع الانحراف بالمنجز إلى سفاسف الأدب الذي انتشر بشكل يستدعي اهتمام المفكرين الخبراء الحريصين لشحذ أقلامهم لإعادة المنتج الأدبي إلى باحة النقد الأدبي الجاد لغاية تقويم المنجز الأدبي وفرض شروط تلك الأجناس الأدبية الصعبة المراس، فالقصة القصيرة جداً تكثيف لعمل إبداعي ينهل من فنون القصة ولغة الشعر والفلسفة والحكمة وعلم الاجتماع والسياسة وخلاصة الحياة لتصاغ ببضع كلمات لغايات وأهداف بعيدة الأثر ولهذا تعتبر تكثيفا لعمل روائي لا يلجة إلا الكتاب المشبعون بالثقافة لمختلف المعارف.
مارس الأديب زهير إبراهيم سعود طقوسه الفنية منذ طفولته وامتهن الكتابة منذ نحو أربع سنوات مواكبا لصفحة الحكمة الهراديبية التي عنيت بهذا الفن والممزوجة بيوميات الحدث محققا نجاحا مميزا لإدارة الكلمة أو الإشراف على توظيفها لخدمة هذا الفن ومحكما لتقييم أعمال مريدي وكتاب القصة القصيرة جداً بإشراف الرابطة السورية للقصة القصيرة جداً وأندية ثقافية وعربية متعددة وله عدة مطبوعات لمجموعاته القصصية منها أوراق الجليد والحلم في ليلة القدر وأوراق النار وأجمل قصصه توق وصرخة جدار وكاتب ودائرة، كما أنشأ عدة مطبوعات علمية في مجال الطب بعد أن حاز جائزة الباسل للبحوث العلمية لثلاث مرات آخرها العام 2001، كما شارك في المهرجان الأول للقصة القصيرة جداً الذي أقيم في دار الأوبرا العام الماضي بإشراف الرابطة السورية للقصة القصيرة جدا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن