ثقافة وفن

الموسيقا والتاريخ والإرث الحضاري والإنساني يشهدون … حلب أم الموسيقا وليست بحاجة إلى منظمة دولية كي يُعترف بها كمدينة مبدعة

| سوسن صيداوي

حقا إن التاريخ يمضي وتُطوى صفحاته الواحدة تلو الأخرى، ولكن ما مرّ به من أحداث، وما قام به الأجداد من بناء لحضارات، لا يمكن أن تطويه صفحة ولا أن تُغفله ذاكرة. ولأنه من واجبنا نحن الأبناء بعد أن تمتّعنا بما تركه لنا الأجداد، علينا التمسك بالأمانة، وإكمال الرسالة وتسليمها لأبنائنا، بكل ما أوتينا من موروث حضاري وإنساني، هذه المسؤولية ضرورة وخاصة في ظل هذه الظروف السوداء التي تستهدف كل ما هو قيّم ونفيس في سوريتنا، وانطلاقا من أهمية ما ذُكر نظّمت كل من وزارات الثقافة والسياحة والتربية والإعلام والإدارة المحلية، بالتعاون مع المجتمع الأهلي السوري ومجموعة من الموسيقيين والباحثين والفنانين، مبادرة هدفها تسجيل حلب كمدينة مبدعة في مجال الموسيقا، ضمن شبكة المدن المبدعة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو.

العراقة مستهدفة
تحدث وزير الثقافة محمد الأحمد عن عراقة مدينة حلب وغناها الكبير بالإرث الإنساني والحضاري مشدداً على فكرة مهمة، وتعرضنا لها منذ بداية الأزمة وهي أن كل ما هو عريق هو مستهدف قائلاً: حلب كلمة صغيرة تتكون من ثلاثة أحرف لكنها كلمة كبيرة للغاية في غناها وأثرها الإنساني والتاريخي والحضاري، والأزمة التي مررنا بها بشكل عام، ومرت بها حلب بشكل خاص، سببها معروف، نحن أمة عريقة، وهناك رغبة في محو كل ذاكرة وكل إرث إنساني، حلب كما نعرف جميعاً هي ضاربة في جذور التاريخ والحضارة، حلب هي عمر أبو ريشة وصباح فخري ومحمد خيري وفاتح المدرس ولؤي كيالي، وميادة حناوي وميادة بسيليس، وأسماء كثيرة أخرى وما ذكرته هي أمثلة ممن نلمس إبداعاتهم. لقد أرادوا إسكات صوت حلب والقدود الحلبية وكل ما هو عريق في هذه المدينة، ولكن هذا كان عصيّا وقد باءت محاولاتهم بالفشل. واجتماعنا هذا كي نحكي عن ترشيح حلب مدينة مبدعة في مجال الموسيقا، كلنا نعلم أن اليونيسكو أصدرت في عام 2004 قائمة بالمدن المبدعة، وهناك مدن كثيرة انضمت إلى هذه القائمة سواء من الدول العربية والعالمية مثل أسيوط، زحلة، الصويرة، المغرب. وأعتقد أن ترشيح مدينة حلب لتكون مدينة مبدعة يأتي في أعقاب انتصارات الجيش العربي السوري، ولتأكيد أن السوريين ما زالوا متمسكين بهويتهم وانتمائهم الطائفي، ومن أجل ذلك سنعمل من خلال إطلاق لجان مصغرة لتوثيق كل ماله علاقة بالموسيقا الحلبية، ولابد لي من انتهاز الفرصة وأقول إنه وبتوجيه من رئيس الجمهورية بشار الأسد، سنقيم أنشطة ثقافية وفنية، بالتعاون ما بين وزارة الثقافة والإعلام والسياحة، والأنشطة ستكون في هواء حلب الطلق، ومن فعالياتها السينما والمسرح وسيكون أيضاً هناك فرق موسيقية ومعرض للكتاب وللفن التشكيلي وللمنحوتات… كلها في حلب وعما قريب».

حلب مدينة مبدعة.. تحصيل حاصل
أكد وزير الإعلام رامز ترجمان أن هذا المشروع هو ضرورة وتحتاج إلى كل دعم ممكن، مشيراً إلى أن الأمر يحتاج أيضاً إلى التعاون والتنسيق بين الوزارات والموسيقيين وغيرهم من الجهات العامة، لأن الهدف هو سورية، وهذا هدف سياسي ثقافي إنساني اجتماعي حضاري، قائلاً أنا أعتبر ترشيح مدينة حلب كمدينة مبدعة هو تحصيل حاصل، فحلب منذ وجودها وخلال التاريخ هي مدينة مبدعة حضاريا وثقافيا وفنيا، وخلال الظروف الصعبة استطاعت حلب بثقافتها وبأهلها أن تنتصر لنفسها وأن تواجه هذا الإرهاب الأسود، وأن تقدم للعالم درسا من دروس الصمود والتحرير، وهي من علمتنا معنى الحياة ومعنى الصمود، وترشيحها كمدينة مبدعة هي رسالة سورية إلى العالم كلّه، بأننا نحن السوريين صناع حضارة».

الموسيقا رسالة إنسانية
أشار معاون وزير الثقافة المهندس علي المبيض إلى أهمية ترشيح مدينة حلب وبفائدته الكبيرة ولأهمية الحفاظ على إرثها الموسيقي الذي تتميز به عن غيرها من المحافظات السورية، مضيفاً إنه شيء مهم جداً للمدينة أن تدخل المنظمة الدولية، وخاصة بعد الفترة العصيبة التي مرت بها، وإن الموسيقا رسالة إنسانية وترشيح حلب في هذا المجال هو بحد ذاته رسالة مهمة للخارج. مستعرضا آلية إنجاز ملف الترشيح الذي يضم قسمين، الأول محلي داخلي ذو شقين مباشر يتصل باللحن والغناء والرقص وغيرها، على حين يتمثل غير المباشر بالأنشطة الداعمة والموازية لمجال الموسيقا والمرتبطة بطبيعتها بالمجتمع المحلي. أما القسم الثاني فهو خارجي دولي متعلق بإعداد ملف الترشيح بصيغة علمية ضمن ضوابط ومعايير لجان تحكيم الملف، مؤكداً أنه بعد ترشيح دمشق كمدينة مبدعة عام 2015 تشكّل للوزارة فريق وطني لديه الخبرة لخوض مجال كهذا.

أمر فريد ونوعي
من الحضور كان معاون وزير السياحة المهندس رامي مارتيني الذي اعتبر أن اختيار الموسيقا كملف أساسي لترشيح حلب، هو أمر في غاية الأهمية، لأنه جد مرتبط بتطور الموسيقا العربية منذ ظهور الموشحات الأندلسية، إضافة إلى الدور المهم الذي لعبه الموسيقيون الحلبيون في تطويرها ونشرها، وأيضاً بسبب الجماهيرية الكبيرة التي تتمتع بها القدود الحلبية ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي، مشيراً إلى أن ترشيحاً كهذا يعد أمراً فريداً ونوعيا في الوقت نفسه».

النيات حقيقية
وكان في المبادرة الممثل محمد خير الجراح، وهو ابن مدينة حلب، الذي تحدث عن أهمية مدينة حلب لكونها مدينة صناعية مهمة ولديها طاقات بشرية عظيمة، قادرة على النهوض وإعمار حلب من جديد، متمنيا أن تكون النيات حقيقية، متحدثاً «هناك نية من الجهات المعنية بإنعاش هذه المدينة كي تعود لتنبض بالحياة كما يليق بها، فحلب مدينة كبيرة، وهي تشكل حضارة وتاريخاً، وفي الوقت نفسه عمود فقري للجمهورية العربية السورية وخاصة من الناحية الاقتصادية، ويمكن أن تساعدنا هذه الانطلاقة كي نسلّط الضوء على هذا المكان كإرث حضاري وأن تكون مدينة مبدعة، وهذا الأمر يحتاج إلى عمل كثير رغم الظرف العام الذي يعيشه البلد، وأتمنى أن تكون النيات حقيقية وليست مجرد اجتماعات وأن يتم وضع أولويات تحدد آلية العمل وأشكال المساهمة في تفعيل ملف الترشيح».

في الترشيح إعادة إحياء
من جهته أشار أندريه معلولي مدير المعهد العالي للموسيقا إلى أهمية مدينة حلب وعراقتها عبر التاريخ وإلى قيمتها للموسيقيين من خلال الموسيقا الحلبية والقدود الحلبية، مضيفاً «مدينة حلب مدينة تاريخية عريقة، وحضارة مدينة حلب على مرّ التاريخ وعلى عدة نماذج فاعلة في العالم، وإطلاق مدينة حلب كإحدى المدن المبدعة في منظمة اليونسكو هو حدث يرمز إلى الإصرار على النهوض من جديد، لا يمكن أن ننهض بشيء إن لم يكن له أساس أو يكون له تاريخ، ولأن حلب مدينة اقتصادية وثقافية واجتماعية مهمة جداً لسورية، فهي تحتفظ بقيم كبيرة جدا، وممكن من خلال هذا الترشيح أن نعيد إحياءها، وأتخيل أن رمزية هذا العمل مهم جداً لنا كسوريين فلدينا هذا التراث وهذا التاريخ ويتم نقله إلى العالم وتعريف الكرة الأرضية كلها بهذه المدينة التاريخية القديمة».

تثبيت الهوية السمعية السورية
انتقد المؤلف الموسيقي طاهر مامللي عدم توثيق الإرث السوري في جميع مجالاته وتحديدا في الموسيقا، مطالبا الجميع بالشروع في حفظ هذا التراث من السرقة والاندثار موضحاً للأسف نحن نتأخر دائما، فلدينا الكثير من الثروات الموجودة، وإذا لم نقم بتثبيتها وتثبيت حقوقها فسيصبح لدينا مشكلة، وفي الحقيقة وحتى هذه اللحظة لم يتم توثيق الهوية السمعية السورية، ونحن نعرف أن سورية بكل أماكنها شاملة لأنواع غنية جداً وقادرة على الدخول بمحور من محاور التاريخ، وعلينا ألا نستهتر أبدا بالجهود الكبيرة التي بُذلت لبناء هذه الثقافات، وخاصة أننا نتغنّى بها وهذا ليس بكاف، لأنه يجب علينا على الأقل أن نحافظ عليها، فنحن ربما لن نرتقي إلى ما صنعه الأجداد ولكن على الأقل علينا أن نحافظ على ما صنعوه».

حلب لا تحتاج إلى منظمة دولية
من جانبه أكد حسام الدين بريمو رئيس قسم العلوم النظرية في المعهد العالي للموسيقا أن حلب مدينة عريقة بتاريخها وحضارتها وموسيقاها وهي الأمينة على الموسيقا منذ القدم وهي ليست بحاجة إلى منظمة دولية كي تعترف بها كمدينة مبدعة، قائلاً «في العام الماضي أنا كنت ضمن الفريق لاختيار دمشق كمدينة مبدعة، واليوم أتمنى أن يتاح لي فرصة بأن أعمل من أجل إضافة حلب إلى شبكة المدن المبدعة في اليونسكو، حلب لا تحتاج إلى من يتكلم عنها بأنها مدينة الموسيقا، التاريخ يقول إنه عندما بدأت تتلاشى الموسيقا احتفظت فيها حلب، وكذلك لما بدأت الموسيقا بالتشتت في شرق المتوسط وفي كثير من العواصم، تمسكت بالموسيقا مدينة حلب، ونحن الذي نعرفه سنعرّف العالم به، إذا استطعنا من خلال هذه المبادرة كي نُسمع اليونسكو وغير اليونسكو ما حلب والموسيقا فيها، عندها نكون قد عملنا أمرا مهما ولكن يجب أن نشير لأمر جد مهم، بأنّ حلب ليست بحاجة إلى منظمة دولية كي تعترف بأنها أم الموسيقا، ولكن لأن القانون يلزمنا بمنظمة دولية، لذلك نحن نعمل، ولكن حلب موسيقاها تشهد لها».

حلب سيدة الموسيقا
وأيضاً من الحضور كانت السيدة الهام أبو السعود وهي الملحنة السورية الوحيدة في سورية وأيضاً باحثة موسيقية، التي اعتبرت أن مبادرة كهذه هي جد جميلة وتليق بمدينة حلب التي تستحقها باعتبارها أم التراث وأم الموسيقا «حلب هي سيدة الموسيقا العربية القديمة والقدود والموشحات، لهذا لها تاريخ جدّ قديم وجدّ عظيم، ولها تراث لا يُضاهى وموسيقاها هي أصل لكل الأغاني القديمة والتراثية، ونحن هنا لأننا نعتز بها، وهذه اللفتة جميلة جداً لأن حلب تستحق».

جدير بالذكر
تضم شبكة المدن المبدعة أكثر من 70 مدينة من مختلف أنحاء العالم في مجالات التصميم والسينما والموسيقا والأدب والإعلام والحرف التقليدية والفنون الشعبية والطبخ، وهي المجالات التي تعني الوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتق المدن المسجلة في الشبكة، وتعزيز المشاركة في الفعاليات الثقافية وعوامل الابتكار وتأسيس البنى التحتية، وكل ما يساعد على إدماج الصناعات الثقافية والابداعية في عملية التنمية المحلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن