رياضة

بعد دخول الاحتراف.. هل تطورت سلتنا أم تراجعت؟ وهل من حلول؟

| مهند الحسني

تعلمنا في أدبياتنا أن المنطق لا يسمح لك ببحث النتيجة بعيداً عن أسبابها، كما أن الحس السليم يصر على أن تضع الحصان أمام العربة إذا كنت تريد الوصول إلى هدفك في نهاية الطريق، وهكذا هي الأحلام تبدأ صغيرة، ونحلم بتحقيقها، وما إن تتحقق حتى نتركها ونتطلع لأحلام أكبر.
حلمنا بدخول الاحتراف على سلتنا والحمد لله تحقق، ولكننا لم نستطع أن نحلم بالأفضل لأننا كسرنا قاعدة التطلع، وبدأنا نطلق الآهات على أيام الهواية، واسمحوا لي أن أسميها أيام تخلفنا الرياضي عندما كنا نلهث بأقدام هاوية وراء كرة لا تملك من مقومات حضورها أكثر من الهواء الذي يحشو جوفها، والحب الذي يكنه لها أبناؤها، فماذا فعل فينا الاحتراف؟
هاتوا لي نادياً واحداً لم تثقله الأعباء المالية، واذكروا اسم لاعب لم يعلن حرده في ناديه بسبب فهمه الخاطئ للاحتراف؟
أشيروا لنا إلى فريق حافظ على مستواه لموسمين متتاليين بعد دخول الاحتراف؟ لنعترف أننا نفتقد للنضج السلوي وبأننا لم نتخلص من أميتنا السلوية، وبأن العديد من عناصر اللعبة يفتقد أبجديات اللعبة.

لن نظلم الاحتراف
مما لا شك فيه أن الاحتراف هو السبيل الوحيد لتطوير أي رياضة لكونه يبني اللاعب على أسس رياضية علمية بحتة، لكن احترافنا لم يكتمل، وجاء منقوصاً وباهتاً، وساهم في تراجع أنديتنا ورياضتنا دون أن ندري، ومن يمعن النظر في طريقة إدارتنا وتعاطينا للاحتراف يدرك بأننا لم نعرف من الاحتراف سوى تنظيم عقود اللاعبين والمدربين برواتب خيالية، وابتعدنا عن الثقافة الاحترافية الصحيحة، فبات هم اللاعب فقط ملء جيوبه بالأموال دون أن يعرف ما له وما عليه، وتم تنظيم عقود تحت اسم الاحتراف والتطوير للاعبين بمبالغ تفوق الخيال مع بعض اللاعبين نظراً لنجوميتهم، الشيء الذي جعل أنديتنا تئن تحت وطأة الأعباء المالية نتيجة تجاوزاتها للأنظمة المعمول بها في نظام الاحتراف، لذلك لن نظلم الاحتراف، فنحن ما زلنا نؤكد أن الاحتراف الصحيح هو الطريق الوحيد للارتقاء بمستوى سلتنا، والوصول بها إلى المستوى النوعي الذي يمكنها من مجاراة المستويين العربي والقاري، لكن احترافنا كان أشبه بمن اشترى سيارة آخر موديل دون أن يجيد قيادتها، فالأنظمة والنصوص التي وضعت في نظام الاحتراف كان معظمها حبراً على ورق لافتقادنا الأرضية المناسبة لزرع نبتة الوافد الجديد، والأهم من هذا كله عدم توافر الإمكانات المادية، التي من شأنها الارتقاء بالاحتراف لتأتي فوائده اليانعة على مستوى رياضتنا، ومازلنا عند رأينا وقناعتنا أن احترافنا لن ينجح، وسلتنا لن تتطور في ظل وجود إدارات هاوية وغير ناضجة احترافياً وهذا ينطبق على كل مفاصل اللعبة.

إعادة دراسة
الارتقاء بالمسابقات المحلية (الدوري والكأس) وارتفاع مستوى الأندية فردياً وجماعياً لا بد من أن ينعكس إيجاباً على المنتخبات الوطنية، فالدوري القوي لابد أن يفرز منتخباً قوياً، إلا أن هذا الأمر لم يحدث لدينا بعد مضي نحو السنوات العشر على دخول الاحتراف على أجواء سلتنا والدليل تراجع منتخباتنا وأنديتنا في جميع الاستحقاقات، وخروجها من الأدوار التمهيدية دون أن تحقق أي نتائج توازي هذا الاحتراف، ما يوصلنا لنتيجة مفادها إن احترافنا غير ناضج، وبحاجة لإعادة تقييم بما يتماشى مع الواقع المزري الذي تعيشه سلتنا في ظل احتراف أعرج بقدم واحدة.

شح الأموال
وما تحدثنا عنه يبقى حلقة مرتبطة بالعقلية الاحترافية التي ما زالت بعيدة عن المعنى الحقيقي للاحتراف، فالأندية التي احترفت بقيت كريشة في مهب الريح لأسباب عديدة أبرزها عدم وجود استثمارات تفي حاجتها المالية، ما جعل هذه الأندية تبحث عن أصحاب رؤوس الأموال لتولي إدارات الأندية وهي فكرة صائبة من حيث الدعم المادي، غير أن هؤلاء أصحاب رؤوس الأموال تحولوا من نعمة إلى نقمة، بعدما صالوا وجالوا وباتوا أصحاب القرار في كل صغيرة وكبيرة، وأصبحوا يتدخلون حتى في القرار الفني لفرق النادي، والويل كل الويل لمن يعارض قراراتهم لأن عصا المحاسبة ستكون حاضرة ومشروعة، والتهديد بعدم الدفع ما يترتب عليهم من مستحقات مالية أول ما يتحدثون به، وهذا أثر بشكل أو بآخر في وجود أشخاص عملوا بأنديتنا الكثير، فوضعوا الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وأصدروا قرارات فنية ما أنزل اللـه بها من سلطان، وقبضوا من المستحقات المالية ما يحلم به مدرب منتخب وطني، كل ذلك تحت اسم الاحتراف الذي دخل علينا في غفلة من الزمان، ضمن هذه الفوضى العارمة باتت تعيينات مدربي الأندية حسب الأهواء والمصالح الشخصية، وبالمقابل ابتعد أصحاب الخبرات والكفاءات ما أفقد الأندية الكثير من خبراتها، وانعكس على تطوير قواعد الألعاب بشكل سلبي، وبالتالي حصدنا ثماراً فجة نتيجة للزرع الفاسد الذي زرعه الاحتراف الخاطئ.

استثمار للمدللين فقط
يبدو أن القيادة الرياضية التي تتحفنا دائماً بشعارات الدعم المستمر للأندية والاتحادات وبأنها كالأم الرؤوم، هي نفسها التي تكيل بمكيالين، ولا تقف على مسافة واحدة من أنديتها، ولديها الكثير من المحسوبيات، وخاصة في موضوع الاستثمارات في منشآت الأندية، فنراها لينة ومباركة لاستثمارات هذا النادي، وقاسية وصارمة مع ذاك النادي، ولا نعرف كيف الأنظمة والقوانين لدى المكتب التنفيذي تسير بشكل جيد مع استثمارات هذا النادي ويصيبها الشلل مع ناد آخر؟!
كل ذلك أثر في سيرورة العمل الرياضي بهذه الأندية التي بقيت تبحث عن مخرج لاستثماراتها بغية الفائدة المادية لخزينة النادي لتتمكن من تسيير أمور الألعاب دون أي عوائق، كل ذلك أحدث شرخاً بين الأندية، وأثر في تحضير الفرق، وباتت الأندية الفقيرة تبحث عن معونة من هنا وصدقة من هناك دون أن تكون هناك حلول جذرية لاستثمارات جميع الأندية، حتى تتحقق العدالة الاستثمارية بينها، وتسير عجلة الدعم الرياضي بين الجميع بعيداً عن الخيار والفقوس والمصالح الشخصية.

صناعة
الاحتراف الرياضي صناعة وهي تتطلب توافر الكثير من المقومات لإنجاحها، ويبدو أننا ما زلنا نفتقد أبجديات هذه الصناعة، لذلك ننتج بضاعة فاسدة ومستهلكة، ومن الطبيعي أن تبقى رياضتنا متراجعة، واحترافنا أعرج وأعوج، وسوف تصل رياضتنا للحضيض في حال بقيت الأمور على حالها، إذا كنا نريد احترافاً رياضياً حقيقياً يطورنا.

إعادة
لا ضير من تشكيل لجنة من خبراتنا الوطنية، وإجراء تقييم جديد لنظام الاحتراف بشكله العام، وإدخال تعديلات جديدة نستطيع من خلالها تصحيح مسار رياضتنا المحترفة قدر الإمكان، خوفاً من أن يأتي يوماً لا تنفع فيه أي محاولة لإنقاذ احترافنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن