قضايا وآراء

جنيف.. لا جديد

| مازن بلال 

أصبحت جولات التفاوض تفتقر للحماسة؛ ربما لأن الجميع يعرف الإيقاع الذي تسير عليه، ويدرك مسبقا أن أطراف التفاوض تختبر التوازن الدولي أكثر مما تتعامل مع الاحتياجات السورية، فعناوين الحل السياسي التي يتمسك بها المتفاوضون تحتاج لتفسير يسبق بحث السلات الأربع المطروحة للنقاش، على الأخص مع التعقيد الذي يظهر في منطقة الجزيرة السورية، وهو تطور يبدو خارج نطاق البحث في جنيف نتيجة عدم مشاركة السوريين الأكراد، وعدم التطرق إلى طبيعة التدخل العسكري الأميركي والتركي في الشمال السوري.
ما يحدث في جنيف أن المساحة التي يتعامل معها المتفاوضون مغلقة، في حين الحدث السوري لا يحمل سقفا واضحا للاحتمالات، فالمنصات تقف عند حدود الآليات التي يمكن عبرها الدخول لتحقيق ما نص عليه القرار 2254، في وقت ينقلب فيه المشهد داخل سورية إلى احتمالات الاشتباك بين القوى الدولية على الشكل النهائي للشرق الأوسط، فالتوافق بين واشنطن وموسكو مازال بعيدا، وهو بانتظار تحقيق أمرين أساسيين:
– الأول: تحديد نقاط التشابك بين روسيا وجارتها الأوروبية، وهو أمر حيوي لأنه سيحدد طبيعة الصراع الدولي القادم، ويقدم صورة للمشروع الروسي المتصاعد، ويضع الإدارة الأميركية أمام استحقاقات انتشارها في العالم وسط صراع داخل واشنطن حول سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
يفرض هذا الشكل من الاشتباك السياسي الدولي دائرة أوسع مما يحدث في جنيف، والتحالفات المشتركة الروسية الأميركية مع الأكراد تشكل اختراقا لأنها تحاول الإمساك بعوامل إضافية سواء على صعيد الصراع السوري، أو في مسألة محاربة الإرهاب وإعادة رسم شرقي المتوسط، ورغم عدم اعتراف المنصات في جنيف بهذه العقدة لكنها تحاصر المباحثات، وتجعل التفاصيل المواكبة للتفاوض أضيق من أن تصل إلى حلول مقبولة لتنفيذ القرار الدولي 2254.
– الأمر الثاني: هو توازن التحالفات الدولية، فهناك خلل واضح في عملية «تجميع» القوة بين روسيا والولايات المتحدة، فالتحالف الروسي عبر البريكس، تبدو فيه الصين وروسيا الأكثر التزاما بتحالف لم يصل بعد إلى حد القدرة على تشكيل قطب متماسك على المستوى الاستراتيجي، فالدولتان آسيويتان ومتداخلتان مع نظام السوق الدولي، في حين تظهر على مستوى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إشارات استفهام كثيرة بشأن قوة هذه الكتلة الدولية، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب فتح بابا واسعا بشأن مستقبل العلاقات داخل هذا الحلف.
ينصب التفكير في جنيف على إنتاج حل ضمن توازن في التحالفات الدولية، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن، وتصلب المواقف أو جمود التصريحات ضمن «وفد الهيئة العليا للتفاوض» هو انعكاس مباشر لهذا التفكير، فهناك «ظل افتراضي» يتحرك فيه هذا الوفد قائم على معادلة دولية مستقرة، في حين يصعب على روسيا والولايات المتحدة التحكم بحركة الحدث نتيجة خلل التوازن القائم في النظام الدولي.
الثابت الوحيد هو أن «مفاوضات جنيف» قائمة منعا للتصعيد الدولي، وليس السوري، والوظيفة الأساسية للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا هو ضمان قنوات التواصل داخل الأزمة السورية؛ لأنها تضمن الحد الأدنى من التواصل الدولي بشأن سورية، والصدام في التفاصيل داخل المباحثات هو الشكل الطبيعي لعدم القدرة على الخروج إلى أبعد من دائرة جنيف، وهو «كمين دبلوماسي» في وقت يتبلور صراع آخر «شرقي الفرات» تشارك فيه الدول الكبرى بشكل مباشر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن