قضايا وآراء

جنيف الخامس تحت مرمى الإرهاب

| عبد السلام حجاب 

لم تمض بعد على الرئيس الأميركي دونالد ترامب مدة المئة يوم حتى يتمكن من تشكيل إدارته التي سيقود بها البلاد، خلال فترة رئاسته التي بدأت منذ أدائه القسم ودخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني الماضي.
ولا جدال بأن التحديات السياسية والاجتماعية وامتداداتها الإعلامية التي سبقت هذا التاريخ وما تزال مستمرة في طول البلاد وعرضها بغية الضغط على الرئيس الجديد داخلياً وخارجياً للحد من آثار ردود الفعل السلبية التي أثارتها تلك التصريحات ولا سيما ما يتعلق منها بمحاربة الإرهاب.
وإذا كانت تصريحاته أثارت موجة من الانتقادات السلبية شملت حتى الرئيس الروسي بوتين وساهم في تصعيدها السيناتور المتطرف جون ماكين فإن تصريحات الرئيس ترامب بشأن محاربة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى أثارت حفيظة مجموعة سياسية في واشنطن خططت من أجل الاستثمار فيها سياسياً وجيوسياسياً حسب اعترافات الوزيرة كلينتون في مذكراتها، ولا ريب بأن تصريحات ترامب جعلت منه هدفاً لحملة الانتقادات نظراً لتناقضها مع سياسات الرئيس السابق أوباما. ما يعني احتمال أن يتحول اجتماع واشنطن للتحالف الذي أنشأه أوباما بمزاعم محاربة داعش والإرهاب ربما تأتي استكمالاً لرؤية الرئيس السابق أوباما في هذا الإطار خاصة وقد جرى استبعاد تنظيم جبهة النصرة الإرهابي عن جدول أعمال الاجتماع وفقاً لنهج ورؤية المخابرات الأمريكية وإن كانت لم تحصد سوى الخيبة والعار الذي لحق بها ليس فقط بسبب دعمها وتمويلها إرهاب داعش والنصرة فحسب بل دعمها سلوك تلك التنظيمات الوحشي الذي ساهم طيران التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بالعديد من المجازر بين صفوف المدنيين الأبرياء في سورية والعراق. علماً بأن تنظيم جبهة النصرة منظمة إرهابية مدرجة على لوائح الإرهاب الدولي بحسب تصنيف الأمم المتحدة ما جعل المراقبين ينظرون إلى اجتماع واشنطن الذي تشارك فيه الأطراف الراعية والمشغلة والداعمة للإرهاب الدولي على أنه محاولة من قبل إدارة ترامب الجديدة التي تتشكل رؤيتها حديثاً لترميم الثغرات التي عانى منها تحالف أوباما المزعوم بما يلبي المصالح الأمريكية بشكل مباشر وقد تبدو مقاربة جديدة من قبل ترامب وإدارته يخفف بموجبها الرئيس ترامب شيئاً من حدة الانتقادات السياسية والداخلية ويمكن استثمارها من جانب آخر بالتقرب من موسكو وفقاً للواقعية السياسية الممكنة حيث لم يخف الطرفان الروسي والأمريكي رغبتهما بمد جسور التعاون بينهما في محاربة الإرهاب وتخليص العالم من شروره التي أصبحت عائقاً أمام التفاهم على عديد من القضايا الإقليمية والدولية بما يحقق فائدة للإرهاب والأطراف المستفيدة منه والمستثمرة فيه.
وأكد لاري جونسون الموظف السابق في CIA أن إدارة أوباما السابقة تدعم منذ البداية التنظيمات الإرهابية لمواصلة الحرب في سورية وأولها تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيان، وأن البيت الأبيض اعتمد منذ سنوات الحرب على سورية سياسة انتهى الأمر بها إلى تقديم الدعم الفعلي للتنظيمات الإرهابية وفق صيغ وأشكال مختلفة سياسية وعسكرية وإعلامية.
وكل هذا الإقرار ومن قبله مذكرات الوزيرة كلينتون تؤكد أن هذا التنظيم لم يكن في يوم من الأيام موجوداً بشكل فعلي على الأرض ولم يشكل في أي وقت من الأوقات قوة عسكرية فعالة- بل كان مجرد أداة دعائية للأجندة التي سعت أميركا وحلفاؤها آنذاك لتحقيقها تحت مسمى معارضة معتدلة الأسلحة والتدريب. وسبق لأميركا أن صرفت مليار دولار على مدى سنوات وقامت بتدريبهم في تركيا والأردن وهو الأمر الذي تحول لاحقاً إلى تنظيم جبهة النصرة الإرهابي.
وقالت تولسي غابارد عضو الكونغرس الأميركي إن الولايات المتحدة دعمت لسنوات طويلة مجموعات مسلحة في سورية مرتبطة بتنظيمات إرهابية مثل داعش والنصرة. وتروج أميركا اليوم أن سياستها الخارجية لمحاربة داعش باتت محط خلافات بين أعضاء فريق الحكم الجديد.
أما الكاتب بوست غريغ فقد سلط الضوء مؤخراً في الواشنطن بوست على جوانب الخلاف داخل الإدارة الأميركية التي تتشكل حديثاً حول السياسة الخارجية لكن أحد مستشاري الرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي حذف عبارة «الإرهاب الإسلامي» واقترح على ترامب تعديلات تخطط لاستثمارات سياسية بعيدة المدى بذرائع الخلافات المصطنعة داخل طواقمها.
ولا غرابة أن يطرح السؤال بشأن انعقاد جنيف 5 مرفقاً بدعوى المبعوث الدولي دي مستورا بحضور وفد الجمهورية العربية السورية برئاسة د. بشار الجعفري الذي صرح قائلاً: الجولة الخامسة من الحوار السوري بدأت في جنيف على وقع تصعيد إرهابي من قبل عصابات جبهة النصرة. وهي ليست المرة الأولى التي يتزامن فيها تصعيد الإرهابيين جرائمهم مع أي مبادرة سياسية.
وقال دي مستورا المبعوث الدولي إلى سورية. إن أجندة المحادثات في جنيف 5 متفق عليها وتحظى بدعم مجلس الأمن كما أعلنت مندوبة أميركا في موقف واضح مساندة بلادها جهود دي مستورا بشأن الحل السياسي للأزمة في سورية.
وليس خافياً أن محاربة الإرهاب كما أكد الجعفري تشكل أولوية في محادثات جنيف الخامسة بحكم ما يجري على الأرض في سورية ومن يعترض على هذا المسار فسيكشف أنه راعٍ للإرهاب.
وقال على كل الحكومات التي تتمتع بالمنطق دعم المسار السياسي في أستانا أو في جنيف. وأضاف أن السعودية وتركيا وقطر مشمولة بتصنيف الإرهاب لتعاملها مع النصرة التي هي منظمة إرهابية بحسب اللوائح الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. وقد أبلغنا دي مستورا اعتبار منصة الرياض الداعمة للنصرة أنها إرهابية.
ولا ريب بأن اجتماع واشنطن بعنوان الحرب على داعش وتجاهل النصرة الإرهابية إنما يكيل بمكيالين بل بعدة مكاييل حيث لا تستطيع محاربة الإرهاب بالأقوال في حين تصب الأفعال في خدمة التنظيمات الإرهابية بل تجب محاربة الإرهاب ومن دون معايير مزدوجة حيث لا يمكن تسييس الإرهاب والاستثمار فيه بشكل أو بآخر.
وقد أكدت سورية في رسائل بعثت الخارجية بها إلى الأمين العام غوتيرس وإلى رئيس مجلس الأمن مطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الاضطلاع بمسؤولياتهما في وقف المجازر وأعمال التخريب والتدمير التي يقوم بها التحالف واعتبرت المجزرة التي ارتكبتها طائراته حلقة جديدة من الاعتداءات على سيادة الدولة السورية وعلى سلامة مواطنيها وأراضيها.
وفي مؤتمر صحفي اعتبر الوزير الروسي لافروف أن تصعيد الأعمال الإرهابية في سورية يهدف إلى تقويض محادثات جنيف 5 كما حصل في اجتماع أستانا وقال عقب لقائه دي مستورا ينبغي تثبيت التقدم الذي تم إحرازه في الجولة الأخيرة من الحوار السوري في جنيف.
وخلال لقائه الوفد البرلماني الروسي الأوروبي المشترك أكد الرئيس بشار الأسد أن سورية ماضية لحل الأزمة عبر مسارين، مكافحة الإرهاب والعملية السياسية ومنفتحة للحوار مع الجميع شرط إلقاء السلاح والالتزام بالدستور.
ولا ريب بأن سلة مكافحة الإرهاب التي شكلت عنوان محادثات السوريين في جنيف الخامس بعد إقرارها في ضوء جهود سياسية ودبلوماسية في جنيف الرابع إنما تفتح مسارات النقاش باتجاه تنفيذ القرار الدولي 2254 وما يشكله من ناظم للمبعوث الدولي دي مستورا ويجد ارتباطه الوثيق بالقرار الدولي 2253 المتعلق بمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره وتجريم التعامل معه وهي نقاط أساسية توفر فرصاً ثمينة للمبعوث الدولي دي ميستورا الذي يكاد يترك منصبه لآخر يكلفه الأمين العام الجديد غوتيرس.
وليس جديداً القول إن من يرغب بمحاربة الإرهاب بشكل نزيه فعليه التنسيق مع حكومة الجمهورية العربية السورية فمحاربة الإرهاب أصبحت شأناً عالمياً يستدعي توحيد جهود الجميع على قاعدة نزيهة للقانون الدولي ومعلوم أن فرنسا وبريطانيا لا تزالان تغردان خارج سرب التوجه الدولي النزيه في محاربة الإرهاب والتي هي بالأساس الدولتان الغربيتان اللتان ترعيان الإرهاب وتستخدمانه كسلاح سياسي.
ولقد أوضح السفير بشار الجعفري عقب لقاء يرافقه وفد الجمهورية العربية السورية مع المبعوث الدولي دي مستورا استغرق نحن ثلاث ساعات بأنه ليس هناك تقسيم للسلات المدرجة على جدول أعمال جنيف الخامس وستبدأ بمكافحة الإرهاب لأن هناك ضرورة عملية لأن الحدث الأساسي المهيمن على المشهد السوري هو الإرهاب.
وأضاف بأن كل وجود عسكري أجنبي فوق أراضي الجمهورية العربية السورية دون موافقتنا هو غير شرعي ولا يمكن لأحد أن يدعي محاربة داعش دون التنسيق مع حكومتي سورية والعراق.
ولا غرابة أن يتم تصعيد الأعمال الإرهابية في سورية طالما أن الجيش العربي السوري يحقق الانتصارات الميدانية في مواجهة الإرهابيين، وهذا خيار السوريين الذي لا بديل عنه حتى رفع العلم الوطني للجمهورية العربية السورية فوق كل شبر من الأرض السورية.
ومن يعتقد أنه يمكنه تمرير أجنداته المريضة بذرائع ساقطة مسبقاً ومحاولة تفخيخ المسارات السياسية بإدعاءات وفبركات أو السعي لتفجير تلك الأجندات سواء على هامش أستانا أو جنيف الخامس وفق ما يمكن أن يمهد ويخطط له اجتماع واشنطن فإنه لن يحصد سوى الخيبة والخذلان لسبب أن الرئيس ترامب لن يجد صديقاً له سوى الرئيس بوتين والشريك الروسي كما أن انتصارات الجيش العربي السوري ترسم الطريقة السياسية لسلوك الطريق الأمثل للحل السياسي للأزمة في سورية ودحر الإرهاب دفاعاً عن الأمن والاستقرار في سورية والمنطقة والعالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن