من دفتر الوطن

مدينة العشق!

| عصام داري 

سأكتب على جدار القمر قصيدة عشق لم يسمع بها بشر، أولها سحر، وآخرها خيال قصيدة تشبه المحال.
من جدول الحروف المنساب على كتف الأبجدية، ومن بساتين الورد ومن بحار النور والظلال أحاول أن أرسم لوحة وردية ما خطرت في بال الأنس والجان.
ربيع خلفه ربيع، ألغينا الفصول واخترعنا تقويمنا الجديد، لأننا نحتاج إلى نفض غبار الزمن عن كواهلنا المتعبة، وأعمارنا التي أنهكها السفر والبعاد والغربة القاتلة داخل الحدود وفي بلاد الوحشة واليتم.
حين تركت الفراشات أزاهير الحقول، وهجر المطر السحاب، وانتصرت الأشواك على الوردة، جاء فصل اليباب والقحط والتوحش، حل الظلام وانتشرت العتمة، وسجنت المحبة خلف أسوار من حديد، واختبأت الشمس خلف جبال شاهقات بانتظار فجر آت ذي ربيع جديد.
كادت الحياة تتوقف لولا بقايا أمل بغد لا يخلف الميعاد، وأسراب سنونو تنتظر الدفء والنور وتستمر دورة الحياة في دوامة صاخبة لا تعرف الكلل ولا الملل.
يتوق القلب إلى رحلة خرافية في فضاءات بعيدة عن بلاد الرمال والصحارى، ويحلم بابتسامة عذبة تحاكي لوحة ربانية تخلب الألباب، وتحلق في سماوات لا نهايات لها.
من الحلم تخرج صبية بكامل أنوثتها تنتظر على مفرق مملكة الحب فارساً جموحاً، فتخلع تاجها وتحمل عقد الياسمين وتهرع إليه عاشقة حالمة، فيورق الشجر من جديد متحدياً المراهنين على الخريف الدائم، وتنشق الأرض عن ينابيع وعيون تروي عطش الأرض والروح والقلب.
في تلك اللحظة المفعمة بأروع المشاعر وأرق وأرقى الأحاسيس، أجد نفسي وكأنني فقدت توازني اليوم، لا أعرف ماذا أصابني، شيء له علاقة بالجنون.. والمجون.. بالفرح.. بالغرابة.. بالدهشة.. بالمتعة.. بالسحر.. بالخيال والتخيل… بالإشراق.. والغروب معاً.. شيء لا يمكن وصفه بالكلمات.
عندما تشرق شمسنا متشحة باللون البرتقالي، أطلق العنان لموجة تفاؤل إضافية فالشمس تشرق رغم الجبال الشاهقات والكسوفات والغيوم التي قد تحجبها لوقت محدود، لاشيء يمنع إشراقها اليومي وتوزيع حزم من نورها وضوئها، وإعطاء جرعات دفء وحياة للبشر والشجر وكل مخلوق حي.
إشراقة الشمس تعلمنا زراعة الآمال في تربة النفوس التي أتعبها الترحال الطويل بين المجرات والأعوام، وحزمة النور المتوهجة المنطلقة من القلوب العاشقة تفتح الدروب أمام عشاق الحياة والنور والشعر والموسيقا.
قصيدتي التي نقشتها على جدار القمر، هي بوصلة لكل من يعتنق مذهب المحبة الخالصة الهارب من عصور الجهل والظلام والبغضاء، والتواق إلى مدينة فاضلة لا تعرف إلا الحب، ولا تفتح بواباتها إلا للعشاق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن