قضايا وآراء

حول أهمية توازن التحالفات الدولية

| مازن جبور 

من جولة جنيفية إلى أخرى تستمر الأزمة السورية في إطار نقاشات ضيقة ومن دون حلول حقيقية تتحول إلى واقع عملي ملموس، بل إن المراوحة في المكان تعكس استمرار حالة الخلل في النظام الدولي الحالي الذي يرمي بظلاله على الأزمة السورية، وهذه الحالة – المراوحة في المكان- هي نتيجة طبيعية لعدم القدرة على تجاوز حالة اللاتوافق الإقليمي والدولي حول حل الأزمة السورية، واستمرار تصادم مصالح القوى الإقليمية والدولية على الساحة السورية.
لم يعد إطار الظاهرة الأمنية المعاصرة بأبعادها المختلفة محدداً بنطاق الحدود الجغرافية للدولة، بل تعدى هذا الإطار الحدود ليشمل دول الجوار الجغرافي المباشر، ويمتد إلى الإطار الإقليمي والدولي، وتأثر أساليب التعامل الممكنة والمتاحة مع المعضلات الأمنية بالعديد من المتغيرات الآتية من الخارج التي يصعب تجاهل تأثيرها.
انطلاقاً مما سبق، نجد أن هناك تداخلاً واضحاً بين العوامل الداخلية والخارجية (إقليمية – دولية) المؤثرة في الأوضاع الأمنية في جميع دول العالم في الوقت المعاصر، ويتفاوت تأثير تلك العوامل حسب طبيعة الخطر وشكله وعوامله، وللخروج من الأزمات عموماً وخاصة الأمنية منها التي تتعرض لها الدولة، لا بد أن نأخذ في الاعتبار هذه العوامل السابقة المؤثرة، سواء من حيث مصادر التهديد أم نوعيته.
ما يزيد من تعقد الظاهرة الأمنية الأزموية أن إحداثياتها الداخلية قد تكون ذات أبعاد خارجية ولها مركز ثقل خارجي وخصوصاً في ظل أنظمة إقليمية ودولية غير مستقرة، ولم يعد سراً أن سورية أصبحت ساحة لتصادم مصالح العديد من اللاعبين الخارجيين، ومن ثم فإن الشرط الأساس لوقف تصعيد الصراع هو الحد من عدد المشاركين الخارجيين النشطين في هذا الصراع، على أن توائم القوى الأكبر نفوذاً بين مصالحها، وهذا يشترط توافقات بين الدول الكبرى أولاً.
إن مصادر التهديد الخارجية المتمثلة بشكل رئيسي في الجوار الجغرافي المباشر وفي الإطار الإقليمي والدولي تشكل عوامل حاسمة في حل الأزمة السورية وبشكل رئيسي الثنائيات التالية: (روسيا – أميركا) حيث يمثل توافق هاتين الدولتين عاملاً ضامناً لإحلال التوافق بين القوى الإقليمية المتصارعة التي نقلت ساحة صراعها إلى الميدان السوري، وأيضاًَ تتمثل هذه الثنائيات بشكل رئيسي بـ: (إيران – إسرائيل)، (إيران – السعودية)، (إسرائيل – حزب الله)، (تركيا – إيران)، (تركيا – الكرد).
من هنا فإن دفع القضية السورية نحو صيغة «المثلث»، على شاكلة ما جرى في العاصمة الكازاخية «أستانا» المتمثل بـ«روسيا، إيران، تركيا»، قد يكون خطوة أولية، يجب أن تتسع لتشمل أطرافاً أخرى متصارعة في الميدان السوري، ويتوافق هذا الاتساع مع تطورات الوضع الراهن المتمثلة بزيادة حدة التوتر بين الثنائيات السابقة، وليس مصادفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بممارسة النفوذ على الإيرانيين لوقف تزويد «حزب الله» بأسلحة متطورة، لكنه على ما يبدو فشل في ذلك،  ومن هنا لوحظ أن الإسرائيليين لم يتمكنوا من ضبط أنفسهم، فكان الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الجنوب السوري، الذي جاء توقيته قبيل الزيارة التي ينوي الرئيس الإيراني حسن روحاني القيام بها قريباً إلى موسكو.
إن أي حوار سوري سوري قد لا يثمر من دون تفاهمات إقليمية ودولية، وسيرافق كل جولة جديدة من محادثات جنيف حالات من التصعيد على الجبهات الميدانية في سورية، مع ضرورة التركيز في جولة جنيف القادمة على السعي إلى إنتاج حل بالترافق مع ضمان مسألة التوازن في التحالفات الدولية، وإلا فستستمر حالة التعنت من «وفد الرياض»، التي ستكون نتيجتها الحتمية اللاحل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن