ثقافة وفن

«حلويات الحلبي» رصد للحياة السورية

| سارة سلامة

صدر عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب مجموعة قصصية للأديب والصحفي حسني هلال الذي يكتب القصة القصيرة والمقالة وله فيها 6 مجموعات، وجاءت المجموعة تحت عنوان «حلويات الحلبي»، وتضم 23 قصة قصيرة.
هلال يكتب حياة السوريين بكل ما فيها، خلال سنوات المحنة، وأحياناً قبل ذلك بعقد أو اثنين، لكنه لا يفعل ذلك بمباشرة ممجوجة، أو بطرح بيانات سياسية، أو شعارات كاحتة!
فإذا ما جنحت القصة إلى شيء من المباشرة في الطرح، كما هي الحال في «الكومجي فهيم»، أو «أسئلة بتهوّي»، أنقذها من تلك العثرة بالسخرية، التي تأتي على الأغلب سخرية مرة جارحة! وهذه صفة كثير من نصوص المجموعة.
هذا بعض ما ذكره الدكتور ثائر زين الدين في مقدمة المجموعة، أما الإهداء فأراده هلال كما يلي:

«إلى كل المتعطشات والمتعطشين لقراءة المختلف ممّا لم يرَ النور من قصصٍ» بعد..
الكفيل وهو عنوان القصة الأولى في المجموعة حيث يقوم بسرد وقائع تتابع أحداثها بشكل شيق وبسيط، وتعود الحكاية إلى حادثة من تراثنا القريب تمكن من توظيفها في نص جديد، حيث لم تكن الطرق موجودة ولا وسائل النقل متوافرة وكان الناس اعتمادها على الإبل.
ضمت المجموعة قصصاً من الواقع السوري، وها هو يقدم هذه النماذج بقالب قصصي حكائي لطيف، ومن أجواء المجموعة.
الكفيل

تعود الحكاية التي سأرويها الآن، محافظاً على وقائعها وخطوطها العريضة-مثلما فعل وتناقلها رواة كُثر قبلي- إلى ما بعد الحرب الكونية الأولى- حين لم تكن طرق المواصلات ولا وسائل النقل، متوافرة وحديثة كما هي اليوم.
عندما كان المرحوم الشيخ أبو حمّود فارس العفلق «أحد وجهاء قرية صميد، إحدى بوابات اللجاة في جبل العرب»، في واحدة من سفراته المتباعدة إلى الشام، عرّج في طريقته على «سوق الجمال»، في ضاحية عدرا، ليشتري بعيراً لصديق له، كان قد أوصاه عليه.
لأن أبا حموّد على دراية ومعرفة بالجمال وأحوالها.
بعد أن اشترى أبو حمود الجمل المطلوب، لصديقه. وقعت عيناه على بعير آخر، رأى فيه خير مساعدة له في تنقلاته، ونقل محاصيله أثناء المواسم.
فالقاص يصور هنا العجز الذي يعانيه المواطن، وينقل لنا أجواءه الخاصة.

أجوبة بتهوّي
يتناول هلال في قصة «أجوبة بتهوي»، الحرب على العراق وأيضاً ما تتعرض له فلسطين ويخاطب بأسلوب ساخر كل من يرمي اللوم على الصمت العربي ويقول هم فعلاً قد يكونون صامتين لكن في الحقيقة فإن في قلوبهم غصة كبيرة ووجعاً مؤلماً قد يبدو أكبر من قوة السيف، ويستغرب في شيء من الاستهجان تصرف العرب في بعض الدول الخليجية واحتواءهم الأعداء وعدم قتلهم وفيها يقدم نماذج لحياة عشناها وعايشناها.
«من بداية الحرب على العراق، والتلفاز يعمل في بيتنا.
لا ينقطع بثه إلا مع انقطاع التيار في القرية. ونحن نتفرّج مثلنا مثل أغلبية خلق اللـه في بلاد العرب. ولا داعي للقول، إننا ارتحنا، أو على الأقل، اعتدنا وضعنا و«أدنى إيماننا هذا».
صحيح أن العالم بمعظمه يديننا ويأخذ علينا صمتنا أو تخاذلنا كما يدعي بعضهم. لكنا نسامحهم ونطلب لهم المغفرة «لأنّهم لا يعلمون» أننا نرى جرائم العدو وترويعه أهلنا في العراق وفلسطين. ولسنا صامتين كما قد يبدو علينا، بل نتكلم، إنّما بقلوبنا، فسيوف، لم يبق لدينا- كما الكل يعلم- وبأيدينا لا نستطيع تقويم اعوجاج أعدائنا ولا حتى حكّامنا».

الكومجي «فهيم»
في «الكومجي فهيم»، وبشكل ساخر هذه السخرية التي تأتي في بعض الأحيان جارحة يستعرض هلال المرحلة التي كانت تعتبر فيها سورية وتركيا شقيقتين، ويعاتب فيها بأسلوب جميل كل من الساسة أو حتى الإعلاميين وكل من سمح لنفسه بأن يقدم ويكتب كلمة بحق علاقة هذين البلدين ويصفهم بالأشقاء.
«أثناء رياضتي الركضيّة مساء أمس، سمعت صدى حركة من بعيد التفتّ فإذا بأحدهم على مسافة غير بعيدة، يجري باتجاهي. زدت من سرعتي قليلاً، كيف أتفادى لحاقه بي وتنغيصه عليّ وحدتي ورياضتي. فضاعف هو سرعته إلى حدٍّ، كان معه الغبار قاطباً فوق رأسه، وقدماه تضربان بمؤخرته، لدى اقترابه مني، قبل أن يستوقفني لاهثاً ساعلاً ومعاتباً، بقوله:
أنتم لا تخافون ربكم يا أستاذ؟
ألا تخجلون من أنفسكم وتستحون من أولادكم على الأقل؟
أم تحسبون، أن هذا الشعب الذي تهمشونه وتستغبونه وتبيعون على ظهره بصلاً وفجلاً ووطنية، تحسبون أن ليس فيه من يقرأ ويفهم ولا يحزنون؟!».

رؤيا
في «رؤيا»، يروي لنا في هذه الحكاية عن حالة العشق والحب والهيام والذكرى الجميلة التي تولد بين شخصين وبعدها تستفيق الطفولة وتجري الحياة وتذهب ملامح المرأة الجميلة لتحل محلها عجوز.
«متعباً كان حدّ الإرهاق، وجذابة كانت حدّ التعذيب، ما إن ألقى بعض تعبه وأوراقه على المقعد المقابل في الحديقة، حتى راحت سفن جاذبيتها تحتل سواحل مشاعره.
قالت له: إليّ بالطفل المنهنه، الذي أقرأ في عينيك، أيها الغريب القريب. وإلى الجحيم ما تنوء به من هموم ظنون وهواجس».

صوت.. وصورة
في «صوت وصورة» يتحدث لنا هلال عن صور أو مشاهد يراها في كل زاوية من المجتمع يراها ربما من جوانب متعددة، مثل صورة شيخ تغطي لحيته معظم معالم وجهه، وريفية ذات شعر أبيض..
مجموعة تحاول رصد الحياة اليومية للمواطن العربي والسوري تحديداً، لتقدم مجموعة من هواجسه ورؤاه وخيباته، غلفها القاص بالحكاية، وإن كانت في كثير من المواطن واضحة وظاهرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن