ثقافة وفن

عيد الكذب… الأول من نيسان

| أنس تللو

يومٌ منفردٌ يبيح الناس لأنفسهم فيه ممارسة ذلك الخلق الهدام الذي كان من شأنه في كثير من القصص الماضية أن يقض المضاجع ويثير المآسي.
أن نشعر بتقصيرنا في أمر ما، فنجعل له يوماً نعوض فيه ما فاتنا فإن هذا أمر مقبول نوعاً ما، وأن نشعر برغبة في الاحتفال بمناسبة ما فنجعل لها يوماً سنوياً للاحتفال فهو أمر مقبول أيضاً، أما أن نـأتي إلى خلق سيئ ينبغي أن نبتعد عنه وأن نجنب أولادنا الاقتراب منه فنجعل له عيداً سنوياً لنمارسه فيه، فهذا لعمري أمر من العجب العجاب.
مناسبة عجيبة لخُلُق غريب سيئ، تنكره جميع الأديان السماوية وتنأى عنه الأخلاق السامية.
فما قصة نشوء ما يسمى «عيد الكذب»، ولماذا تم تحديده في الأول من نيسان من كل عام.
يروى أن العام الميلادي كان يبدأ في القرن السادس عشر الميلادي باليوم الأول من نيسان، وقد أراد ملك فرنسا شارل التاسع أن يجعل بداية العام في اليوم الأول من كانون الثاني بدلاً من نيسان فأصدر منشوراً عام 1564 قرر فيه ذلك، ثم مضى زمن طويل والناس لا تعتاد البداية الجديدة للعام فظلوا يخطئون فيه، ثم نشأت عادة المزاح في هذا اليوم.
ثم انتقلت هذه العادة بسرعة من الغرب إلى الشرق فامتهنتها بعض الصحف وزاولها بعض الأفراد، وتنوعت الكذبات فمنها البسيطة التي لا ضرر فيها، ومنها المؤذية التي تفقد الضحية صوابها وتسبب لها الإزعاج؛ كأن يتصل بك أحد الأصدقاء ليخبرك أن عزيزاً عليك أو قريباً قد مات، ثم بعد أن تأخذك الصدمة يُطلعك على أن الأمر دعابة وهي كذبة أول نيسان.
ومن أطرف كذبات نيسان الصحفية دعوةٌ نشرتها صحيفة (المضحك المبكي) في الحادي والثلاثين من شهر آذار من أحد أعوام الأربعينيات من القرن الماضي جاء فيها أنه سيقام في اليوم التالي الذي يصادف الأول من نيسان الساعة الخامسة مساء معرِض للحمير بكل أنواعها، وذلك على أرض مرجة الحشيش (مكان معرض دمشق الدولي القديم) وأن الدعوة عامة يمكن لمن يشاء حضورها صغيراً أم كبيراً رجالاً ونساء، فقرأ الناس الخبر وتناقلوه، وتواعد بعضهم على اللقاء في المكان المحدد.
ويبدو أن الحمير آنذاك كان لها نسب وأرومة وسلسلة عليها تاريخ ميلاد تبين البلد الذي جاء منه الحمار، وربما كانوا يصنعون لكل حمار شهادة ولادة، لذلك فقد كان يقال عن أحد الحمير مثلاً إنه حمار قبرصي، وهذه الكلمة (حمار قبرصي) كان الناس يستخدمونها على سبيل الكناية للمبالغة في وصف أحد الناس إذا ما ظهر منه عدم فهم لأمر يسهل فهمه أو إذا ما أظهر غباءً نادراً في تناول قضية ما، أو إذا ما أسهب في شرح أمر ما بطرِق وأساليب تقصر عن إيصال الفكرة وتزيد الغموض غموضاً.
إذن تواعد عدد لا بأس به من المهتمين بمثل هذه الشؤون آنذاك لحضور هذا المعرض الفريد والمتميز؛ معرض الحمير، الذي يعتبر سابقة نادرة في عالم المعارض تستحق أن يكتب عنها أو تُروى.
حضر جمهور غفير من الناس في الموعد المحدد متلهفين لرؤية الحمير المعروضة ضمن معرض الحمير الذي لم يسبق لأحد أن شاهده.
وحين اكتمل الجمع، وأزفت الساعة الخامسة صعِد أحد الحضور إلى مكان مرتفع بين الجمهور، وقهقه قهقهة عالية وصلت إلى آذان جميع المجتمعين، وصاح بصوت عال ملؤه التهكم والسخرية:
أيها السيدات والسادة، الآن قد اكتمل الجمع وتم افتتاح المعرض… نظر الناس حولهم وتأملوا فلم يجدوا حماراً واحداً فأخذوا يتفرجون على بعضهم.
وهكذا قامت الصحيفة بممارسة كذبة الأول من نيسان بشكل طريف ممتع، ولعلَّ دعوتها هذه إلى معرض الحمير كانت تحمل شيئاً من الرمزية المغرضة أو التبطين المعنوي المضحك.
أما بعد:
قيل: إن الناس حينما يشعرون بتقصيرهم الكبير في تحقيق أمر ما فإنهم يلجؤون إلى إنشاء مناسبة للاحتفال بهذا الأمر لكي يُطمئِنوا أنفسهم إلى أنه هناك يوماً واحداً في العام يمكن لهم فيه أن يعوضوا عن ذلك التقصير الكبير، فهم حين يحتفلون بعيد الأم يدركون مدى التقصير المتراكم طوال العام بحق الأم ويلجؤون إلى يوم الأم ليقدموا لها الهدايا ويغدقوها بالحنان طمعاً في كسب الرضا.
فهل نحن على غاية من الصدق طوال العام لكي ننشئ يوماً لعيد الكذب نمارس فيه هذا الخلق السيئ.
ما أحوجنا إلى أن نصنع أياماً نحارب فيها انتشار عادات سيئة لا أن نصنع أياماً لترسيخها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن