ثقافة وفن

مصائر المحبين.. حضر شكسبير وغاب الجمهور … د. راتب سكر: الاحتفاء بشكسبير مؤصل في الثقافة العربية

| سارة سلامة

«الزمن بطيء جداً لمن ينتظر، سريع جداً لمن يخشى، طويل جداً لمن يتألم، قصير جداً لمن يحتفل، لكن الأبديّة لمن يحب» هذا ما قاله وليام شكسبير تاركاً لنا أعماله المسرحيّة التي خطّها بقلمه الحاذق، ووصلت لدرجات عُليا من الفن والرقي الأدبي مثل: روميو وجولييت، هاملت، العاصفة.. وغيرها من الأعمال الشهيرة، وبمناسبة مرور 400 عام على رحيل شكسبير واحتفاءً بيوم المسرح العالمي وبرعاية من وزير الثقافة محمد الأحمد، أقامت وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقا، ندوة ثقافية بعنوان «مصائر المحبين في مسرح شكسبير» وذلك في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق.
أدار الندوة الدكتور راتب سكر وتضمن برنامجها عدة محاور هي: «شكسبير في النقد العالمي» ألقتها الدكتورة سوسن قطيني، و«شكسبير ومسرحية العاصفة» ألقتها الدكتورة سوسن الجزائري، واختتم الدكتور راتب سكر بمحور «مسرح شكسبير بين الحب والموت».

رمز مسرحي
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال الدكتور راتب سكر إنه: «في السابع والعشرين من شهر آذار يحتفل محبو المسرح والأدب المسرحي في العالم باليوم العالمي للمسرح، وقد تم الرأي لهذا العام أن يكون احتفاؤنا بهذا اليوم مواكباً لاحتفاء مثقفي البشرية بمرور 400 عام على رحيل شكسبير لأن اسم شكسبير غدا رمزاً مسرحياً، ليس لبني قومه فقط إنما لمثقفي العالم أجمع، فمسرحيات شكسبير ترجمت إلى معظم لغات العالم ومثلت على خشبات بلدان العالم ولاسيما خشبات المسرح العربي في دمشق وبيروت والقاهرة وغيرها، ومنذ أكثر من قرن نلاحظ أن البشرية احتفت بمرور 300 عام على رحيل شكسبير ووجدنا أن أمير الشعراء أحمد شوقي كان قد كتب قصيدة تحية إلى شكسبير بهذه المناسبة، كذلك فعل شاعر النيل حافظ ابراهيم وكتب قصيدة عن شكسبير في هذه المناسبة أيضاً».
وأضاف سكر إن «الاحتفاء بشكسبير مؤصل في الثقافة العربية كما نجده مؤصلاً في غير ثقافة، ففي فرنسا غدت الكتابة عن شكسبير منذ مطلع القرن الثامن عشر عندما أقام فولتير العقل التنويري المعروف في لندن مدة سنتين، اطلع فيها على مسرح شكسبير وعلى النقد الأدبي المرافق لذلك فنقل ذلك إلى بني قومه الفرنسيين وكانت تلك الخطوة الأولى في منح شكسبير طابعاً عالمياً ليصبح أحد أهم أدباء المسرح في العالم كله».

شكسبيري
وجاءت كلمة الدكتورة سوسن قطيني بعنوان: «شكسبير بين الجذب والرفض»، التي عرضت صورة المسرحي الإنكليزي في فرنسا خلال القرنين الـ18 و19 حيث أطلق المثقفون الفرنسيون مصطلح الشكسبيرية على كل ما هو مخالف للمألوف.
منطلقة في كلمتها التي ألقتها من التعبير الفرنسي العام القائل: «شكسبيري»، وذلك بمعنى الرغبة في إظهار ما تملكنا من أحاسيس تجاه مواقف تتجاوز كل الأشكال الأدبية المألوفة فرنسياً وقالت إن « شكسبير كان مجهولاً بالنسبة لفرنسا في القرن الـ17 جهلاً تاماً حتى جاء فولتير، وهو أول من نشر مسرح شكسبير في فرنسا، ولا يمكن إنكار فضله على أدب شكسبير في فرنسا وخاصة أنه أقام في إنكلترا قرابة ثلاثة أعوام عمق فيها معرفته باللغة الإنكليزية وبأدب ومسرحيات شكسبير وكتب عنه، موضحةً «أن فولتير نشر أدب شكسبير في أوروبا كلها كأدب متحرر من قيود التقليد، ومن القواعد التقليدية ومعتمد على خبرته والصدق مع نبض القلب في تكوين عبقريته».
وأضافت قطيني: إن «فولتير غيّر مواقفه من شكسبير، فغدا ناقداً جريئاً في نقده له حتى إنه هاجم شكسبير في عدة نقاط منها: جهله باللغة اللاتينية واصفاً إياه بالجاهل، كما أخذ على مسرحياته ابتعادها عن قواعد الذوق العام وقواعد المسرح المعروفة»، لافتةً إلى أنه مع كل هذا النقد القاسي لم يمنع الأدباء الفرنسيون من تقدير فن شكسبير واعتباره عملاقاً، وجاء الرد من «ديدرو» على نقد فولتير قائلاً «هو العملاق الذي سنمر جميعاً من بين قدميه».
وأفادت قطيني «أن رومانسيي القرن التاسع عشر عدوا شكسبير مبدعاً ورائداً، وعدوا مسرحه مميزاً وغنياً بكل ما يخص القلب الإنساني، وتطرقت لما نشره بعض الكتّاب الفرنسيين عن مسرحيات شكسبير وتأثر كتّاب الرواية الفرنسية في القرن التاسع عشر ولاسيما بلزاك بالصخب الشكسبيري».

العبقرية الشكسبيرية
وبدورها بدأت الدكتورة سوسن جزائري نائب عميد المعهد العالي للترجمة محورها بقراءة قصيدة لشكسبير، وقدمت عرضاً تحليلياً لمسرحية «العاصفة»، حيث قالت إن: «هذه المسرحية مهمة لعلاقتها بفكرة المستعمر المستكبر، ونظرته المتعالية إلى الشرق، عبر عرض يخلط الخيال بالواقع في تصوير رحلة ملك تاه بين البحر وجزيرة، يعتقد أنها في البحر المتوسط»، مضيفةً: «إن هناك شخصية شريرة تأتي من الجزائر، في تقابلات تعبر عن أفكار استعمارية ظهرت في هذه المسرحية تتعلق بنظرة الغرب إلى الآخر».
وأفادت الجزائري أن «مسرحية العاصفة» تتميز عن جميع أعماله الدرامية الأخرى، حيث تقل فيها الشخصيات النسائية، وتوجد فيها شخصية نسائية واحدة هي فتاة عمرها 15 عاماً، كما أنها أقصر مسرحيات شكسبير وأجملها ورشحت لتكون إحدى أفضل مسرحياته، وتعد العمل الأخير لشكسبير الذي كتبه بمفرده، وهي على خلاف أعماله تراعي الوحدة الكلاسيكية أي وحدة الزمان والمكان، وتجمع بين الجد والهزل وتعبر عن نظرة شكسبير للحياة».
وفي تأويل الجزائري لرمزية العاصفة رأت «أنها ليست ككل العواصف فهي عاصفة يتحكم بها شاعر وساحر، تارة يستخدمها للانتقام وتارة للمصالحة والحب وهي مزيج تلتقي فيه خلاصة العبقرية الشكسبيرية، وتدور أحداثها حول ساحر يكسر عصاه السحرية في نهاية المسرحية وكأن شكسبير يودع جمهوره في مسرحيته الأخيرة، ولذلك فإن عاصفة هذا العمل هي عاصفة بيضاء، ويبين النص تعدد الثقافات في بحر من السحر»، موضحةً أنه يعتقد بوجود أفكار استعمارية ظهرت في هذه المسرحية لتبرير الأهداف الاستعمارية التي يتمسك بها الغرب للسيطرة على الشرق».

الإلهام من شكسبير
وقدّم الناقد السينمائي علي العقباني ورقة عمل مبيناً الاهتمام الواسع في نقل أعمال شكسبير المسرحية إلى السينما، وقال في مداخلته إنه: «منذ أيام السينما الصامتة عرضت السينما الاقتباس من شكسبير وأعماله، ولاقت رواجاً ونجاحاً كبيرين وشكّلت على الدوام أعماله إلهاماً كبيراً فكانت تلك الأفلام المستلهمة تياراً خاصاً في السينما العالمية».
وأوضح العقباني أن «هذا الإلهام ما إن يمرّ بحالة ركود حتى يعود لاحتلال واجهة الأعمال السينمائية لتعيد اقتباس أعماله، وقد شاهد العالم مجموعة أفلام مهمة مقتبسة من أعمال شكسبير، وقدمت السينما ما يزيد على 600 عمل مقتبس أو مستلهم من أعماله، وتوقف العقباني على عناية السينما العربية وخاصة الأفلام المصرية، باستلهام أعماله لافتاً إلى وجود عدة عوامل ساعدت في بقاء أعماله صالحة وقادرة على التعبير عن هواجس وعوالم تصلح لكل زمان ومكان».

أبرز عشاق التاريخ
وكان المحور الأخير على لسان الدكتور راتب سكر وجاء بعنوان «مسرح شكسبير بين الحب والموت»، حيث رأى «أن مسرحية روميو وجولييت قدمت صيغاً من المناجاة العاطفية والوجدانية تعد من أهم مناجيات المحبين في التاريخ، ترن بنور الحب مواجهاً رمزيه صريعين في مجريات الأحداث فنكون أمام الموت مصيراً لعاشقين من أبرز عشاق التاريخ، وقصة ستظل ذكرى في حياة كل محب».
وأضاف سكر على «اكتشافه لشخصية أوفيليا التي تختلف عن شخصية جولييت في لحظة الوداع، فوداع أوفيليا أكثر نضجاً ووعياً وهو الذي دفعها للجنون كما كاد يدفع بـ«هاملت» للجنون، مفيداً أن هاملت كان على قبر أوفيليا في حالة تشبه عودة روميو إلى قبر جولييت، مع اختلاف عودة هاملت الذي يعلم أن محبوبته غادرت الحياة وهو يشعر بعقدة الذنب»، مبيناً التقاطعات والاختلافات بين «هاملت» و«روميو وجولييت».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن