ثقافة وفن

«توتر عالي» يحصد جائزتين في تونس…المهند كلثوم لـ«الوطن»: أثبتنا في سورية أننا الأجدر بالحياة

وائل العدس : 

حصل الفيلم الروائي السوري القصير «توتر عالي» للمخرج المهند كلثوم على جائزتين في مهرجان الربيع الدولي في دورته الرابعة بمدينة قابس التونسية لعام 2015، وهما جائزة أفضل إخراج وجائزة أفضل ممثلة للفنانة مي مرهج بطلة الفيلم.
واحتفت إدارة المهرجان بالفيلم وأكدت أن مشاركته مميزة بكل تفاصيلها، من حيث «الإخراج، السيناريو، النص، والأداء التمثيلي»، وقد أجمع من شاهد الفيلم على كونه من أفضل الأفلام المشاركة لهذا العام، فكان قرار لجنة التحكيم سينمائياً بحتاً، لذلك فإن الفيلم يستحق تلك الجائزة.

الأجدر بالحياة

قال المخرج كلثوم في تصريح خاص لـ«الوطن»: إن للجائزة قيمة معنوية تفوق قيمتها المادية، فنيلها يعني نيل جماهيرية واسعة على امتداد الوطن العربي كله واعتراف بعراقة السينما السورية.
وشكر كلثوم مهرجان الربيع العربي بقابس ولجنة التحكيم ونادي السينما والطيب الوحيشي المنظم للمهرجان على اللفتة المميزة ودعمهم للحراك السينمائي العربي الشبابي معتبراً أن: «الجائزة بمضمونها هي للجهود الحقيقية التي بذلها فريق العمل السينمائي السوري دائماً لتقديم ما هو أفضل».
وأكد أنه دائماً كان يهرب من النجاح نحو اختبارات أصعب ليواجه تحدياً يدفعه بدوره لتقديم المزيد من الجهد، والجائزة اليوم تأتي لتلقي على عاتقه مسؤولية أكبر لتقديم الأفضل.
وختم حديثه: نحن في سورية أثبتنا أننا الأجدر بالحياة وأن الحياة تليق بنا، وأن مشاركة الأفلام السورية في مهرجانات دولية ليس غريباً على تاريخ السينما السورية، وشكر المؤسسة العامة للسينما التي أنتجت العمل بقوله إنها كانت خير داعم لي في هذا النجاح وهي التي بدورها تمنح السينمائيين السوريين الأوكسجين السينمائي، ومبارك لفريق «توتر عالي» ومبارك للسينما السورية ومبارك لسورية.

لا السورية
من جهته قال سامر محمد إسماعيل لـ«الوطن»: مرة تلو المرة تثبت السينما السورية حضورها من خلال أفلام أنتجتها المؤسسة العامة للسينما، ولا غرابة أن يحقق «توتر عالي» هذا الروائي القصير تلك الجوائز؛ فالحساسية التي ما زالت تحرص المؤسسة على صياغتها عبر استقطابها للنصوص والمخرجين الجدد؛ تؤكد عاماً بعد عام أن السينما كانت وما زالت موقفاً من العالم؛ ففي بلاد التلفزيون تقاتل السينما كي تعيش بعيداً عن كرنفالات بحر نجوم الكوكا كولا ومساخر الحارات ومهرجانات السكاكين.
وأردف: هكذا يبدو لي أنني كتبتُ «توتّر عالي» كصرخة في وجه هذا الزمن التلفزيوني؛ قاتلت التلفزيون بفيلم روائي قصير حقق كلثوم بدأب وحماس كبيرين برفقة كادر الفيلم؛ من فنانين وفنيين؛ فالفيلم في النهاية محاولة من عشرات المحاولات التي يقوم بها شباب وشابات متحمسون لتكريس السينما من جديد في الحياة العامة، وبجرأة فنية على الحرب؛ وقراع مستميت لإعادة ألق الفن السابع إلى واجهة الحياة الثقافية السورية؛ وهذا ما كان ليتحقق لولا الجهود التي تبذلها إدارة المؤسسة التي زادت من إنتاجها في سنوات الحرب الأربع؛ ما يعكس رغبة القائمين على المؤسسة بتحدي عصر الاستهلاك التلفزيوني الذي حاول الفيلم تعريته وتوجيه سبابة الاتهام إلى دهاقنته ونخبه الانتهازية؛ والعمل أكثر فأكثر عبر حساسية اللقطة وحميمية الأداء الخاص لكل من أديب قدورة ومي مرهج وعلي صطوف أمام كاميرا كلثوم، والتي أرادت التعبير عن النص بمساحة بصرية أعتبرها شجاعة وخاصة، من حيث محاكاتها لما يحدث على الأرض السورية، إذ أردت أن أبتعد في « توتّر عالي» عن المباشرة، والذهاب عميقاً في الجرح السوري، لا من باب الشعارات ولا المحاضرات السينمائية ولا من باب التحذلق أو الميوعة التي يبديها البعض إزاء الحرب الظالمة على سورية؛ بل من باب أن ما كان صامتاً قبل آذار 2011 صار متكلماً؛ وها هي العشوائيات التي تعرضت للرعي التلفزيوني الجائر عبر مسلسلات الجريمة والانحلال الأخلاقي تعود وتظهر في الشاشة الكبيرة؛ وعلى طريقة الحلم داخل الحلم، والمسرح داخل السينما، تنتقم الشاشة الذهبية من طغاة الشاشة الفضية، ومن محاولة تنميط الناس وتزوير أحلامهم لمصلحة محطات النفط وفضائيات «الشماخات السويسرية».
وختم: باختصار «توتّر عالي» هو (لا) سورية في وجه غيلان الصورة وتسليع الإنسان وتحطيمه.

الإنسان السوري
أما مي مرهج فقالت: إن التكريم الذي منحته لجنة التحكيم تكريم للإبداع والعمل الفني السينمائي بشكل عام وأعتبره تكريماً للإنسان السوري المبدع والخلاق بشكل خاص ونحن نعيش ظروفاً قاسية مريرة نواجهها بوعي وحكمة وإرادة قوية بحبنا لوطننا.. للإنسان.. بانتمائنا للحضارة للثقافة وللفن.
وتابعت: تكريم الفيلم السوري ونيله شرف جائزة أفضل مخرج وجائزة أفضل ممثلة دليل على موضوعية ونزاهة لجنة التحكيم وانحيازها للإبداع والفن مبتعدين عن الأهواء والآراء التي يصنعها الساسة وفق مصالحهم.
وختمت: أشكر كاتب الفيلم والمخرج على منحهما لي فرصة المشاركة في الفيلم وأشكر المؤسسة العامة للسينما بإدارتها وإرادتها الصلبة باستمرار الإنتاج والحضور السينمائي دائماً في المهرجانات العربية والدولية رغم الظروف الصعبة والقاسية التي يمر فيها مجتمعنا السوري، مشيرة إلى أنه «على مر الزمن الفن يجمع ويرفع ويخلق ويبني ويرسم بسمة الأمل فوق كل جراح الألم.. على مر الزمن السينما تلم الشمل.. تجدد العقول وتوحد القلوب، الفن يجمعنا.

علاقة متميزة
وقال خالد الحمروني مدير المهرجان: دأب مهرجان الربيع الدولي بقابس (تونس) على الوفاء لخطه الثقافي التحرري وانتقائه لعروضه واختياراته النوعية.. على خطا الدورات الثلاث السابقة.
وأضاف: كانت الدورة الرابعة (2015) على المستوى ذاته من الرقي والإبداع، ولعل العلامة المضيئة فيها كان يوم السينما الذي استعرض عدة أفلام لاقت تفاعلا من الجمهور الحاضر يظل على رأسها الفيلم السوري الرائع.
وأكد أن «توتر عالي» حاز إعجاب الحضور وتقدير لجنة التحكيم التي منحته جائزتين مهمتين، وإن هذا التتويج يؤكد مرة أخرى أن السينما والدراما السورية لا تزالان لهما حاضنة شعبية واسعة في الوطن العربي لا تضاهيها بقية الدرامات العربية الأخرى. وأشار إلى أن ما يزيد في اتساع دائرتها اليوم أنها دراما تولد من رحم المعاناة وجراحات الحرب لتصنع فضاء من الإبداع، وتوصل رغم الوجع صورة لعظمة هذا الشعب في إرادة الصمود والبقاء على قيد الأمل. وختم بالقول: في النهاية باسمي الشخصي وأصالة عن كل الهيئة المديرة نهنئ الصديق المخرج المهند كلثوم والممثلة الفنانة مي مرهج وكل طاقم العمل دون استثناء على هذا التتويج والجهود التي بذلوها لضمان متعة المشاهدة لدى عشاق الفن السابع، كما نشكر مدير المؤسسة العامة للسينما بسورية على إتاحته لنا فرصة عرض هذا الشريط، ودامت العلاقة المتميزة بين شعبينا التونسي والسوري، ونرجو السلامة والمحبة لأهلنا في سورية الشقيقة.

قصة الفيلم
يذكر أن الفيلم من سيناريو سامر محمد إسماعيل، وتمثيل: الفنان القدير أديب قدورة، علي صطوف، ومي مرهج، ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
يحكي الفيلم قصة حب بين شاب يعمل فني إضاءة في المسلسلات التلفزيونية وفتاة تدرس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لتتواتر الأحداث بينهما منجزة عالماً سحرياً شفافاً يغيبان فيه عن خشونة الواقع وقسوة الحياة بعيداً في لعبة تبدأ بين طفلين يقتفيان الحلم على تخوم العاصمة السورية إذ تدور قصة هذا الفيلم الروائي القصير في حي المهاجرين قبالة مشهد ساحر من البيوت المتلاصقة على ذرا قاسيون.
ويتناول الفيلم مجتمع الهامش أو ما يسمى مجتمع العشوائيات حيث يدأب لتقديم فكرة مغايرة عن سكان هذه المناطق التي قدمتها بعض الأعمال التلفزيونية كمكان للجريمة والانحلال الأخلاقي والضياع الاجتماعي فيقترب كل من كاتب الفيلم ومخرجه عبر حساسية سينمائية بحتة من أناس هذه الأماكن مسجلين ما يشبه حلماً طفولياً عن قلادة بشرية وعمرانية تحيط بدمشق من كل الجهات لنشاهد الناس بعيداً عما كرسته الدراما ومسلسلاتها من تناول كان في نواح كثيرة منه فجاً غليظ القلب. الجدير ذكره أنه بهاتين الجائزتين يصبح رصيد الفيلم ثلاث جوائز إضافة إلى جائزة الشرف في مهرجان تهارقا الدولي لفنون السينما بالسودان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن