قضايا وآراء

حدث في جنيف الخامس.. فماذا عن السادس!؟

| عبد السلام حجاب 

رغم أنه لم يتم الإعلان عن موعد انطلاق محادثات جنيف السادس، لكن مؤشرات انطلاقتها قائمة حسب المبعوث الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا الذي أكد بيان للأمم المتحدة أنه مستمر في مهمته كمبعوث إلى سورية لتيسير القرار الدولي 2254 الخاص بالحل السياسي للأزمة في سورية والقاضي بحق السوريين وحدهم في تقرير مستقبلهم من دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة أو أجندات إرهابية لا مكان لها على طاولة جنيف مهما كان رقمها التسلسلي.
وعليه لم يخطئ المراقبون السياسيون عندما كانوا يشيرون إلى أرقام انعقاد متسلسلة لجنيف الذي كان أساساً للحوار بين السوريين بموجب القرار الدولي 2254 من دون تدخل خارجي، وهو ما لفت الانتباه إليه السفير بشار الجعفري رئيس وفد الجمهورية العربية السورية إلى المحادثات في جنيف 4 ثم في جنيف 5 وفي مؤتمر صحفي عقده في ختامها أشار إلى نقطتين رئيسيتين:
1- المطلوب من السفراء الأعضاء في مجلس الأمن أن يهضموا قواعد اجتماعات جنيف التي تقوم على أساس الحوار بين السوريين من دون تدخل أجنبي.
2- ليس لدينا في الاجتماعات شريك وطني، ما يعني أنه صراع بين السياسة والإرهاب، وقال: لا إرادة سياسية لدى رعاة الإرهاب لتحقيق تقدم سياسي والبعض ممن أتى إلى جنيف أتى لتقويض العملية السياسية.
كما أكد برلماني أوروبي أن دولاً غربية وعربية دعمت الإرهابيين في سورية بالمال، وبلغته الدبلوماسية الملتبسة غالباً قال دي ميستورا في مؤتمر صحفي اختتم به أعمال جنيف الخامس: تناولنا خلال هذه الجولة القضايا بالتوازي وناقشنا السلال الأربع بتعمق، وحصلنا على دلالات من جميع الأطراف بأنهم مستعدون للعودة إلى جنيف وإجراء حوار من أجل التعمق في كل سلة من السلال الأربع.
أما الجعفري فأشار: كنا الوفد الوحيد الذي تفاعل مع ورقة المبعوث الدولي حول مسألة مكافحة الإرهاب التي تشمل قضية المخطوفين والموقوفين ولم تتفاعل المنصات الأخرى، واتفقنا مع دي ميستورا على أن نواصل الاتصالات عبر الأقنية الدبلوماسية لتحديد موعد الجولة القادمة.
وقال رئيس وفد الجمهورية العربية السورية في المؤتمر الصحفي: مستقبل سورية يقرره السوريون أنفسهم وليس السفيرة الأميركية ولا غيرها، وقد قدمنا للمبعوث الخاص خلال جولة جنيف الخامس أوراقاً تتعلق أولها بمكافحة الإرهاب وورقة عامة للحل السياسي في سورية.
ولا ريب بأن المراقبين السياسيين لم يستبعدوا في تحليلاتهم جملة التطورات التي شهدتها المواقف السياسية للدول الأقطاب في العالم فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن التعاون الحقيقي بين روسيا والولايات المتحدة بشأن تسوية الأزمة في سورية يتحسن، معرباً عن أمله في تعاون بناء في مكافحة الإرهاب.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: روسيا جاهزة للعمل مع جميع الشركاء من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في سورية.
كما لم يستبعد الرئيس الروسي بوتين في هذا السياق الاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش قمة العشرين في ألمانيا، أو خلال اجتماع دول المحيط المتجمد الشمالي، أو في منتصف المسافة، ولكن وقبل أن نقيس منتصف المسافة بالأمتار أو بالأميال يمكن التكهن وقد بات ممكناً، أن يحدث الاجتماع في العاصمة الكازاخية أستانا، حيث قصر السلام هناك، واجتماعات أستانا عقدت هناك برعاية الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف من أجل التسوية السياسية في سورية وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف: إن روسيا ترغب بالعمل جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة في تقرير الدور القيادي للدولتين لحل المشاكل السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن بلاده تنتظر استكمال التعيينات داخل إدارة ترامب ولا سيما أولئك الذين سيتعاملون مع القضايا الراهنة بما في ذلك التسوية السورية.
وأعلنت دائرة الصحافة في البنتاغون الأميركي في تقرير لها أنه من الضروري تطوير وتعزيز قنوات الاتصال والعلاقات مع الجيش الروسي لمنع الحروب في سورية وأوروبا والمحيط الهادي ما يجعل العالم أكثر أمناً بعيداً عن الحسابات الخاطئة وسوء الفهم.
وحسب منطق التحليل السياسي فإنه تجدر الإشارة إلى مؤشرين مهمين يصبان في خدمة السياسة على حساب مكافحة الإرهاب الحاصل في الميدان السوري ما يجعل الأطراف المشاركة في جنيف الخامس والذي سبقه تعول على حسابات ومعايير أصبحت من الماضي بعد أن تكلست في محاجرها وقد أعلن البيت الأبيض أن على الولايات المتحدة التركيز على مكافحة إرهاب داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في استعادة لتصريحات الرئيس ترامب قبل وبعد تسلمه رسمياً مفاتيح البيت الأبيض وليس على تنحي الرئيس بشار الأسد. وفي جنيف أكد الجعفري أن هؤلاء لا يريدون مكافحة الإرهاب إلا إذا كان على مقاس أوهامهم التي أثبتت السنوات والوقائع السابقة أنها لم ولن تتحقق، وليس بعيداً عن اتجاهات تصريحاته أعلن الرئيس ترامب عن اجتماع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في منتجع ترامب الخاص في فلوريدا، وهي خطوة لا يمكن قراءتها خارج المتغيرات في الصين وما حولها وما يمكن أن تحدثه الخطوتان حيث يلتقي الأقطاب. القطب الروسي مع الأميركي والقطب الصيني مع الأميركي وما بين اللقاءين المهمين على صعيد السياسة الدولية شرقاً وغرباً تجري عملية مكافحة الإرهاب التي باتت تشكل مدخلاً لحل الأزمات السياسية وبينها الأزمة في سورية والحل السياسي المطلوب بعد القضاء على الإرهاب، وقد أصبح مطلباً دولياً وليس خاصاً بدولة دون أخرى، ما يرتب على الدول التي تتعامل مع الإرهاب وتقيم معه علاقات علنية وسرية أن تبدأ رحلة إعادة النظر التي لم يتجاهل الرئيس الأميركي أهميتها وما تم بناؤه من بعض الأطراف على أساس دعم ورعاية الإرهاب، ولعلها المرة الأولى التي يتم التعبير عن هاجس الرئيس ترامب بصورة مباشرة ورسمية وليس كغيره وهو السؤال الذي توجه به الكاتب والدبلوماسي الفرنسي السابق ميشيل رامبو تعقيباً على تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون التي قال فيها إن الشعب السوري وحده من يختار رئيسه، ما يعني أنه الصواب بعينه وهو تطور لا بد أن يؤدي إلى تغيير مواقف دول أخرى، أيضاً فإنه تطور لا يمكن تجاهله في جنيف السادس، بل إن محاولات تفشيل جنيف أو منعه السير في الاتجاه الصحيح الذي يحقق القرار الدولي 2254 والقرار الدولي 2253 ويعطي المعنى المقصود لتصريحات مندوبة الرئيس ترامب لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي حين أعلنت دعمها لجهود المبعوث الخاص دي ميستورا باتجاه الحل السياسي للأزمة في سورية، وإذا كانت واشنطن تتجاهل الإرهاب لأسباب سياسية فإنها ستجد نفسها أمام خيارات الضرورة في مواجهة الإرهاب وقد يكون جنيف السادس مدخلاً لمثل هذا الجهد الذي يحتاج إليه تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 ويساهم إلى حد بعيد في فتح قنوات اتصال جديدة لمحاربة الإرهاب سبق التنويه بها روسياً لتشكيل جبهة دولية نزيهة لمحاربة الإرهاب في سورية بالتنسيق مع الحكومة السورية حيث تؤكد وقائع الأحداث أن الجيش العربي السوري يحارب الإرهاب بشكل لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل سوى أن الإرهاب يشكل العقبة في طريق أي حل سياسي، وأنه، أي الإرهاب، المسار الثاني إلى جانب المسار السياسي الذي تشكل المصالحات جزءاً مهماً فيه لتحقيق التسوية السياسية التي لا تشوبها عقبات أو منغصات تلبية لإرادة السوريين في بناء مستقبل وطنهم بقيادة الرئيس بشار الأسد، وما بات يمثله الصمود الوطني السوري جيشاً وشعباً على امتداد ست سنوات مضت من قيمة تفرض حضورها السياسي والاجتماعي ما دفع إلى تعرية أنظمة وإظهار حقائق المواقف وضرورات التمسك بمبادئ القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وتبين أنها ضرورات الدفاع عن الحقوق الوطنية للدول وعدم الخلط بين سياسات إرهابية هدفها تحقيق مكاسب وسياسات تعتمد القانون الدولي هدفها الدفاع عن حقوق الشعوب السيادية والوطنية وهي حقوق لا يمكن تزويرها أو شراؤها بمال النفط أو الغاز أو الترويج لها عبر صيغ الإعلام المشوه والفبركات الشريرة على حساب الحقوق الوطنية للشعوب.
ولا جدال بأن صراع السياسة والإرهاب لا بد أن يسفر عن نتائج يمكن للسياسة العادلة والنزيهة تحقيقها وليس الإرهاب عبر القتل والتدمير وقد أصبح مداناً ومطلوباً مكافحته قبل فوات الأوان، ولعل الخطوة الأميركية التي خطاها الرئيس ترامب تختصر الكثير من الجهد والدماء ويتم تحويل الأموال إلى رفاه الشعوب في عالم أكثر أمناً واستقراراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن