ثقافة وفن

عتبة الباب… رواية لوجدان القارئ تدعو بين دفتيها للتأمل والتطلع في أحداث الحرب … «سندس برهوم» في عملها الروائي الأوّل والحبّ هو الحلّ في عوالم واقعية

| عامر فؤاد عامر

تنطلق «عتبة الباب» بنا نحو عالمٍ ألفناه، وضجرناه، في 6 سنواتٍ مرّت علينا في سورية، ليكون الملف السوري هو الملف الأكثر حميميّة في نشرات الأخبار، وملاحقة من الاهتمام العالمي بما يدور في فلك بلدنا الكبير. وما يمكن استقراؤه من الجميع، إن ما حدث ويحدث، هو المادّة التي ستكون زاخرة وثريّة لمعظم الأعمال الإبداعيّة في المستقبل القريب والبعيد، سواء في الأدب أم الشعر أو السينما أو الأغنية أو المسرح، وغيرها من مناحي الإبداعي الإنساني، وهذا ما نلمسه في رواية «سندس برهوم»، التي انطلقت مبكراً في صورة صافية، تنقل وجع الإنسان، ومقته للحرب، ومعاناة تقضّ المضجع، مهما حاول النسيان أو الهروب، فهي عتبة حقيقية لإعلان كثافة إبداعيّة قادمة، سوف تذخر بها أعمالنا الفنيّة في سورية وخارجها.

ألمٌ واحد
تقودنا أحداث «عتبة الباب» إلى عوالم واقعيّة عاشها كلّ فردٍ دخل بتأثير الحرب، على الرغم من أن هذه الحرب لم تغز كلّ بقاع سورية، إلا أن تداعي الألم يفرض على المرء بطبيعته أن تهتم كلّ أعضائه بهذا الألم، وهذا ما يحصل فبعد أن تذكر الكاتبة مناطق متعددة من دمشق تذكر حمص وبعدها اللاذقية وكلّها نماذج تؤلّف وحدة سورية وألفتها، هذا من ناحية، أمّا الناحية الأخرى فهي محاولة الكاتبة في وصف انقسام الأهل بين لونين هما المؤيد والمعارض، وهي اصطلاحات لونيّة فرضتها الحرب بصورة أو بأخرى، لكن يُحسب للكاتبة أنها قدّمت الشريحتين بكلّ تجرد، وذلك بقصد أن يرى القارئ أننا في سورية هكذا نتعدد ونتحد، لنا مواقفنا وتحدياتنا على الرغم من أننا أبناء البلد الواحد، لتكون هذه الرواية هي وسيلة التقاء للطرفين في هدف أدبي راق وإنساني.
مونولوجات وهواجس

اهتمت الرواية بعرض مونولوجات داخلية روتها البطلة «لور» منذ البداية وحتى آخر صفحة من «عتبة الباب»، ومن يميل لهذا النوع من الوصف فسيجد لنفسه المكان الذي يستمتع به، ومن ينْء عن الوصف الداخلي أو المونولوج فلن يرتاح للتعامل مع هذه الرواية، لكن بصورة أو بأخرى لم تكن المساحة بالكبيرة جداً، فهي تصف سنوات التعب في 96 صفحة من القياس الوسط. وعلى الرغم من استخدام ياء المتكلم بكثافة وغزارة في أسلوب الرواية، إلا أن تعاطفاً قوياً يشرك القارئ بالكاتب، فكلّ ما شعرت به بطلة الرواية «لور» هي مشاعر حقيقة وصادقة، وتنبثق من واقع مؤلم تعاملت معه الكاتبة بصدقٍ، ومحبّة، لتوثيقه بصورة أو بأخرى كرسالة سلام تصل لوجدان القارئ، عله يتعلّم من أخطاء من سبقوه في الحياة إلى هذه الحرب المُدمرة.

موازنة
عرض وجهات النظر في تقييم ما يجري على أرض الواقع كان مدروساً بدقة، بحيث لا يمكن القول إن الكاتبة كانت منحازة لوجهة دون أخرى، وهذا ما يميّز الرواية وأهميتها، فمنحت لكلٍّ مساحته دون زيادة لطرفٍ على حساب الآخر. ومن يراقب حجم الفقرات يجد أن هناك دراسة موضوعيّة لموازنة الفقرات بحيث يمكن القول إن المساحات تساوت في عرض كلّ وجهة لألمها، ومعاناتها، وتعبها، من هذه الحرب، فيغدو القارئ أكثر عمقاً في فهم وتصوّر ما حدث، وصولاً للبحث عن حلّ مشترك يلغي أسباب الخلاف وجذوره، وهذا هو العمق الحقيقي للرواية، بأنها تسعى بهذا الاستعراض لمنح القارئ فسحته الخاصّة في تأمل ما جرى وتصور ما يمكن أن يحدث، والذهاب في استقراء واستنباط الحلّ.

مناسبة العنوان
تناغم بين العنوان ومفاصل الرواية نجده من خلال بحث الشخصيّة الرئيسة عن الحلّ، الذي تستنبطه في الهرب من رحى هذه الحرب، والنفاذ بأغلى ما تملكه في حياتها، وهم ولداها «مانيا» و«كريم» وزوجها «أنس»، وعلى الرغم من الراحة التي بدأت تتنفسها بعد تلمّسها للحلّ إلا أنها تقرر بمحبّة ألا تغادر الوطن، فكيف لها أن تترك كلّ الحبّ الذي عرّش في قلبها مع الناس في مكان ولادتها، ومكان العمل، ومع الجيران، وكلّ الأهل، والأصدقاء، لتغدو الخاتمة أكثر جمالاً عندما ترمي بعتبها على زوجها أنس، وهو عتبٌ لطيف يشبه الدعوة بأن: «مدّ لي يدك لأمد يدي لك».

تقابلات
حملت الرواية جرأة في الوصف، ولربما كانت استناداً لتغدو مشاهد الرواية أكثر واقعيّة، وهذا يمكن ملاحظته في مشاهد مجزرة الأطفال، والخوف أثناء عبور ساحة العباسيين في دمشق، ومشاهد الحبّ بين عامر ولانا، وبين لور وأنس. لكن الجرأة كانت في التقابل الفنّي أيضاً، فطرفا القتال اتفقا على كلّ ما له علاقة بالقتل، يقابل ذلك وصفها لوالديها في الضيعة اللذين اتفقا على كلّ ما له علاقة بالحبّ. أيضاً التماثل في مشهد العزاء وكلمات العزاء بين الطرفين «المُعزّي ومتقبل العزاء» الذي جاء بين الواجب، والدين، والشتيمة، في كلمات يتبادلها الطرفان.

الأمّ
نجحت الكاتبة في روايتها بتقديم الصورة الدقيقة للأمّ، وإتقان رسم صورة الوجع الذي يصيب الأمّ في عرس ابنها الشهيد، وما يمكن لذاكرتها من منح مشاعر خاصّة لا يمكن للفرد أن يستقيها إلا إذا حقق الشرطين، وهما أن يكون أنثى، وأن يعيش الظرف نفسه. فذاكرة الحليب، والألم، والوجع، كلّها جاءت بصورة متقنة وبلغة عاطفيّة عالية.

بين الوجع والحبّ
عرّجت الرواية أيضاً على ما أضافته الحرب على حياتنا من تفاصيل جديدة، شئنا في التعامل معها أم لم نشأ. وكأن واجب الحرب هو امتصاص اللون من حياتنا. أيضاً من النقاط التي بيّنت جماليّة الحبكة الروائيّة هو اختيار وجع المعدة الذي يحتلّ جسم بطلة الرواية، ويلاحقها رغماً عنها، وهذا الفراغ الذي لم تستطع التخلّص منه حتى في البحث عن الحلّ، ولكنها استطاعت أن تتلمس الطريق في الدواء فقط عندما قررت أن تسلم نفسها للمحبّة، وأن تساند نفسها مع زوجها، وذكرياتها، وماضيها بحالة متجددة من الحبّ.

الشخصيّات والزمان
يمكن القول في النهاية إن الرواية غير محددة المعالم كأشخاص عاشوا مرحلة الصراع، إلا أنها تحمل أوصاف مرحلة زمنية عشناها واتفقنا على فهم تفاصيلها قبل البدء بقراءة الرواية، ولذلك يمكن للقارئ العربي والسوري تحديداً فهمها جيداً، على حين ستكون صعبة الفهم على القارئ الآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن