ثقافة وفن

«يوم الأرض» في معرض لاتحاد التشكيليين الفلسطينيين في صالة الشعب … المبيض: الشعب لا يموت… وبشعب كهذا لا تموت القضية

| سوسن صيداوي

الأرض منها وإليها يعود الإنسان، فهي البداية وحتى النهاية. من سمرة ترابها يُجبل المرء ليحمل منها كل الصفات والمشاعر والأفكار، التي تبقى مخزونا فيه مهما طال عمره وأينما قضت له المشيئة بالترحال أو الأسفار. إذاً الأرض هي الأوطان، هي الهوية والانتماء. الأرض هي الأم والخصب، هي الأب والعزة، هي الشباب وثمرة النضوج، وهي أيضاً شيخ الحكمة. الأرض هي ما لا يمكن جمعه بجمل الكلام، لأنها وفيرة المعاني ومنها، كلّ العطاء. ولأنّ من رموزها الثبات والاستقرار وبمناسبة الذكرى الـ41 لـ«يوم الأرض» وبرعاية وزارة الثقافة، أقام الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، معرضا فنيا في صالة الشعب للفنون الجميلة في دمشق، محتضنا في جنباته باقة من الفنون التشكيلية من رسم ونحت وتصوير ضوئي وغرافيك، وتمّ افتتاحه بحضور معاون وزير الثقافة المهندس علي المبيض، والسفير الكوبي روهيريو مانويل سانتانا رودريغز، والدكتور إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين والدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب، وعماد كسحوت مدير الفنون الجميلة بوزارة الثقافة وحشد من الفنانين والنقاد والمهتمين.
القضية لن تموت

معرض «يوم الأرض» مفعم بالحيوية، حاضر بالأمل، غني بجدارة التجربة ورسوخ الخبرة، من خلال اثنين وخمسين عملا فنيا، قدّمها فنانون تشكيليون فلسطينيون وسوريون من أجيال مختلفة، وهذا ما أشار إليه معاون وزير الثقافة علي المبيض أثناء افتتاحه للمعرض قائلاً: «المعرض جميل جداً وجماله ينبع من الشرائح العمرية المتنوعة والمختلفة المشاركة فيه، فهو معرض يضم أكثر من خمسين عملا لفنانين من بينهم شبان، أو الذين في مقتبل العمر، وحتى الكهول، ويضم المرأة والرجل، السوري والفلسطيني. هذا كلّه يعكس وحدة القضية، وصحيح أن عنوانه الرئيسي «يوم الأرض» إلا أنني بعد أن شاهدت اللوحات كلّها خرجت بفكرة وهي «أنّ الشعب لا يموت، والقضية لن تموت. وبشعب كهذا القضية لا تموت». أما بالنسبة للأعمال، فجماليتها برموزها المؤكدة لحق العودة، والتي هي واضحة سواء من المفتاح وشجرة الزيتون والكوفية الفلسطينية…. إلخ، إذاً الأعمال هي حالات تصور الواقع الذي نعيشه من خلال الأزمة التي تمر بها سورية وكذلك القضية الفلسطينية، ولكن هنا نجد الفنان يدافع ويقاتل من خلال أدواته، بريشته وألوانه».

العمل الذي لا ينتسب لقضية يعلق في الفراغ
أظهر الفنانون الشبان المشاركون مستوى متطورا فيما قدموه من أعمال تعكس الموهبة والإمكانات التي يتمتعون بها، مؤكدين بذلك أن الفن التشكيلي سلاح فاعل في نشر الثقافة وله دوره المثمر مثله مثل أنواع الثقافات الأخرى، وهذا ما عبّر عنه د. نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب، إذ قال: «من الباهر تماما أن يكون للفن التشكيلي دوره في المقاومة، وعندما يختار الفن التشكيلي النهوض في هذا الدور، يعني تماهيه تماماً مع قضاياه الكبرى، وأي عمل تشكيلي لا ينتسب إلى قضية، يكن عملاً معلقاً في الفراغ، وهذا المعرض يقدم قرائن مهمة على أن الفن التشكيلي يقوم بواجبه تجاه القضية الوطنية المركزية، وهي قضية فلسطين، لأن يوم الأرض لم يكن يوماً معنياً بأولئك الرجال الذين قدموا أمثولة عظيمة في الثبات في أرضهم، بل جاءت مختلف أشكال التعبير الأخرى للمقاومة، لتؤكد قيمة الثبات في الأرض وثقافة الثبات في الأرض، هذا المعرض تتويج لهذه القيمة، إبداع حقيقي لهذه القيمة، وأنا أرى مجموعة من اللوحات الناطقة بهذه الثقافة والمعبرة عنها والدالة عليها، كما أحيي الفنانين المشاركين لخيارتهم التشكيلية العالية المستوى، من خلال المستوى المضموني والمستوى اللوني والمستوى التشكيلي، ولعل أجمل ما يلفت في هذا المعرض هو حضور المرأة فيه وفي أغلب الأعمال التي يضمها، لكأن ثمة رغبة مضمرة في التأكيد أن المرأة والأرض وجهان لقيمة واحدة هي الخصب».

الفنانون الشبان هم الأمل
أشار الفنان التشكيلي إبراهيم مؤمنة إلى أن كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني هو ملهمه في تنفيذ مادة لوحتيه، حيث استخدم الألوان القاتمة للإشارة إلى الظلم الذي يتعرض له هذا الشعب وهو في الوقت نفسه يشبه ما يتعرض له الشعب السوري في ظل الأزمة الحالية نتيجة المؤامرات العالمية التي تحاك ضد الوطن، قائلاً: المعرض هو تحية للجيش العربي السوري وشهداء الجيش العربي السوري والمقاومة الفلسطينية، وأنا مثلي مثل كل الفنانين المشاركين، شاركت بلوحتين، واحدة تعبّر عن تشبّث الجيش بالأرض وتمسكه وتجذره بها، وعلى الرغم من استشهاد الجندي، إلا أنه يرفع رأسه عاليا كي تزهر سورية، وبالنسبة إلى اللوحة الثانية، فإنها تجسد المرأة، سواء المرأة السورية أو الفلسطينية، والجندي في اللوحة يدافع عن سورية وعن فلسطين في الوقت نفسه، وهو لا يلبس «الحطة»، بل يحمل كفنه على رأسه من أجل الدفاع عن الأرض، والمرأة في اللوحة دليل على أن الأرض ما زالت حبّالة وولّادة تنجب الأبطال والمقاتلين. وبخصوص مشاركات الشبان في المعرض، الشبان هم الأمل فنحن الجيل القديم ومعظمنا أُرهق، ولكن هذا الشباب المتمسك بهويته الفلسطينية السورية، والذي يدافع عنها من خلال فنه ويتمسك بريشته وفنه كي يقوم بالإحياء الدائم للتراث السوري الفلسطيني، فهذا أمر يبعث في نفوسنا الأمل الكبير لأنهم مؤتمنون على هذه الرسالة».

الأم أشبه بالأرض
شارك النحات خالد جازية بعمل نحتي بانورامي لأم اختبأ بحضنها أطفالها، مصنوع من مادتي الريزين والبرونز، معتبرا أن عمله الفني جزء من النضال الوطني الذي تعيشه فلسطين بمواجهة الاحتلال الصهيوني وتعيشه سورية بمواجهة الاحتلال الممنهج، ساعيا من خلاله إلى تجسيد معاناة المرأة الفلسطينية من التهجير والنزوح، وقال: «شاركت بعمل نحتي يرصد حالة جداً مهمة بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين بشكل خاص وللإنسان بشكل عام، وهو الارتباط بالأرض، فيوم الأرض هو يوم مقدس، وحاولت أن أستخدم في هذا العمل النحتي ثلاثة عناصر مهمة جدا، هي الأم والأطفال الذين هم الجيل و«البقجة»، ومن خلال هذا العمل أريد أن أوجه رسالة أنه مهما بلغ منا الزمان ومهما حاولت المسافة أن تبعدنا، فإننا متمسكون بأرضنا، والأم هي أشبه بالأرض بحنانها وعطائها ودفئها وبحضنها، وتربينا على القيم والأخلاق ومحبة الوطن والتمسك به وبأرضه، وكيف ندافع عنه وبكل الأشكال، وعملي هذا للتأكيد أن التربية على هذه القيم ضرورة ويجب التمسك بها دائماً».

مرتبط باستحقاقات الأرض والهوية
بيّن الناقد أحمد علي هلال أن معرض يوم الأرض السنوي، هو تقليد يستمر عاماً بعد آخر، لكنه في هذا العام يرتبط باستحقاقات الوجود والهوية، ودائما الفنانون المشاركون في هذا المعرض لديهم الكثير من الأعمال المختلفة، والتي تتباين وفق مدارس ووفق تقنيات مختلفة، والجميل في هذا المعرض أنه يضم تجارب الشبان والمخضرمين من المدارس الفنية والتشكيلية كافة، ويؤمل منه أن ينفتح على تجارب الشبان، والتي تمثل استمراراً للفنانين الأقدم في مضمار الفن التشكيلي الفلسطيني، والذي في استمراره وتاريخه هو جزء من الحركة التشكيلية العربية والسورية، لأنه يمثل في هذه اللحظة كل دلالات المقاومة ودلالات الهوية ودلالات الأرض ودلالات الإنسان العربي المقاوم سواء على أرض السورية أم على أرض فلسطين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن