الأولى

البيت الأبيض يعتنق الديمقراطية

| تيري ميسان 

بعد أن قام بإجراء إصلاحات عميقة في مجلس الأمن القومي، وتبادل معلومات مع الجيش الروسي، وحظر على رجاله مواصلة تقديم الدعم للجهاديين في أي مكان، وبعد أن أطلق هجمات حقيقية ضدهم في كل من اليمن والعراق وليبيا والصومال، خرج الرئيس الجديد للولايات المتحدة ليعلن أنه وضع حداً نهائياً لتدخل بلاده في الحياة السياسية السورية.
لم تكتف السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هالي، بالإعلان أن «الإطاحة» بالرئيس الأسد لم تعد تشكل «أولوية» لواشنطن، فقالت بوضوح لا لبس فيه: إن الشعب السوري وحده من يملك الحق في اختيار الرئيس.
ولكي نتمكن من تقييم التقدم الذي تم إحرازه في هذا السبيل، لابد أن نتذكر أن خطة جيفري فيلتمان كانت تتضمن منذ عام 2012 إلغاء السيادة للشعب السوري.
لنقلها صراحة: فقط مع دونالد ترامب، اعتنق البيت الأبيض الديمقراطية، طبقا لمقولة أبراهام لنكولن الشهيرة، «حكم الشعب، من قبل الشعب، ومن أجل الشعب»، وبدأت الولايات المتحدة تتحول تدريجياً إلى قوة طبيعية، بعد تخليها عن كل طموحاتها الإمبريالية، ونبذها لعقيدة وولفويتز للسيطرة العالمية، واعترافها مجدداً بأن كل الناس سواسية، أكانوا غربيين، أم لا.
الذهول الذي أصاب الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي هو بقدر هول الحدث: لطالما استخدموا مفهوم «الديمقراطية» منذ أحداث أيلول 2001، بالمعنى المضاد للكلمة، لذا التزموا الصمت، لكن وزير الخارجية الفرنسية، جان مارك ايرولت، خرج في نهاية المطاف عن صمته قائلاً: «هل علينا الاحتفاظ بالأسد، أم لا؟»، ولكن ليس بهذه الطريقة يتم طرح السؤال، وإنما: هل كان المجتمع الدولي لا يزال يحترم التزاماته؟
ترجمة هذا الكلام على الشكل التالي: السؤال ليس في معرفة ما يريده الشعب السوري، بل فيما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها (أصدقاء سورية) ما زالوا يحترمون، أو لم يعودوا يحترمون، وعد أوباما بعودة الانتداب الفرنسي على سورية.
الأخبار السيئة لا تأتي أبداً من تلقاء نفسها، هذا بالنسبة لفريق فرانسوا هولاند، فقد كانت أنقرة أول من تخلى عن باريس، بإعلانها عقب زيارة ريكس تيلرسون أنها تخلت عن فكرة إنشاء «منطقة آمنة» في كل من منبج والرقة، وهذه وسيلة أنيقة للاعتراف علنا بعدم إمكانية بسط الاحتلال في سورية، بالطريقة نفسها غير المشروعة التي تعتمدها في قبرص منذ عام 1974.
هذا يعني تماما نهاية التحالف الفرنسي التركي، ويعني بطبيعة الأحوال، بدء عودة حلف شمال الأطلسي للانصياع للقانون الدولي، والتحاقه بموقف سورية التي تدافع بدمها عن القانون الدولي، وروسيا والصين اللتين تكفلتا بحماية سورية في مجلس الأمن، من خلال استخدامهما حق النقض سبع مرات متتالية.
المرحلة التالية المتبقية هي التي أعربت عنها سورية في وقت سابق من عام 2012: إقناع كامل أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي بوقف التلاعب بالإرهاب الدولي، ويعني الإقرار بحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين الحاليين ليسوا جماعة عربية، وإنما فرع من الاستخبارات البريطانية، والاعتراف أيضاً بأن هؤلاء ليسوا مسلمين، وإنما أفراد يختبئون وراء القرآن، لدفع المشروع الإمبريالي الأنغلو إسرائيلي قُدُماً نحو الأمام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن