قضايا وآراء

ما بين أوباما وترامب.. مرة أخرى الخط الأحمر وخط الجرذان!

| بسام أبو عبد الله 

لن يصلح العطار ما أفسد الدهر! مثل شعبي معروف لدينا كثيراً، ولكن وجوه المعارضة القبيحة والمجرمة والعميلة، تعتقد أن ما عجز عنه أوباما، يمكن أن يقوم به ترامب، فلذلك لابد من تكرار المسرحية الإجرامية نفسها التي نُفذت في شرقي غوطة دمشق في 21 آب 2013، ولكن الآن في بلدة خان شيخون، وباستخدام السلاح القذر نفسه، الغازات السامة، من أجل دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مواقفه الأخيرة التي أعلنها تجاه الرئيس بشار الأسد، والنظام السياسي في سورية، إذ اعتبرهما «واقعاً سياسياً» لا يمكن تجاوزه، أي لابد من التعاطي معه مستقبلاً، وهو أمرٌ أصاب مدعي المعارضة السورية بالصَرَعْ السياسي وبالجنون، وباختلال التوازن، وأصاب مُشغليهم بالصدمة لأن، رسالة ترامب على لسان وزير خارجيته ريكس تيلرسون، جاءت من أنقرة، كي يسمع من به صممُ، ولأن هذا الموقف صدر عن ثلاث جهات، الخارجية والبيت الأبيض ومندوبة أميركا في الأمم المتحدة، فلقد أسمع تماماً «طرشان» المعارضة وداعميهم، وكرر بعض وزراء الخارجية الأوروبيين الموقف ذاته كالببغاوات من دون تبديل أو تحريف من بروكسل، كي يسمع أيضاً من يريد أن يسمع من «طرشان» المعارضة السورية.
الآن إذاً، لابد من حدث كبير إجرامي يغطي على مواقف ترامب الأخيرة، ويحرجه أمام الرأي العام الأميركي والعالمي وأمام حلفائه، ويعطي ورقة للمتشددين داخل المؤسسات العسكرية والأمنية الأميركية علّها تستطيع الضغط على ترامب لمنعه من سلوك طريقه الجديد، الذي أقرته مصادره أنها ليست مضطرة لإيضاح الخطوة التالية تجاه سورية.
في عهد باراك أوباما، كان المطلوب من هجوم شرقي الغوطة آنذاك القول: إن الرئيس بشار الأسد تجاوز الخط الأحمر الذي وضعه، ولذلك لابد من تنفيذ هجوم صاعق على الدولة السورية، وحسب ما كتب الصحفي الأميركي الشهير سيمور هيرش في مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» بتاريخ 17 أيلول 2014: «فإن المجمع الاستخباراتي الأميركي اكتشف بعد رصد الاتصالات، والبيانات المتعلقة بهجوم 21 آب 2013 (هجوم الغوطة) أدلة تدعم شكوكه»، ويتابع حسب مسؤول استخباراتي أميركي سابق القول: «نعلم الآن أن الهجوم كان عملية سرية خطط لها رجال (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان لدفع أوباما لتجاوز الخط الأحمر، وكان من الضروري تنفيذ هجوم الغاز قرب دمشق بسبب وجود مفتشي الأمم المتحدة هناك (وصلوا إلى دمشق في 18 آب 2013)، ويؤكد أن السارين تم الحصول عليه من تركيا، وهو لا يمكن أن يصل إلى وجهته من دون الدعم التركي، كما قام الأتراك بتدريب المتمردين على إنتاجه.
ويشير المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق، بحسب هيرش، إلى أن الدليل الرئيس على منفذي الهجوم، ومن كان يدعمهم أتى من «الفرحة التركية العارمة بعد الهجوم، وتبادل التهاني، وهي أمور تم رصدها، واعتراضها، ودائماً يتم التخطيط للعمليات بطريقة فائقة السرية، لكن الأقنعة تكشف بسرعة عندما يحين الوقت للتباهي والتبجح، ولا يوجد ما هو أخطر من قيام المجرم بإعلان مسؤوليته عن الجريمة لحصد نتائج النجاح».
ويرد هيرش أن مشكلات أردوغان في سورية ستنتهي قريباً جداً: «إذ سينطلق الغاز، وسيقول أوباما إن الخط الأحمر تم تجاوزه، وعندها ستقوم أميركا بمهاجمة سورية، على الأقل تلك كانت الفرضية، لكن الأمور جرت بما لا تشتهي السفن»، وآنذاك تكتم الأميركيون على تورط تركيا في هجمات الغوطة، لأنهم كانوا بحاجة لأردوغان، ولدوره، كما أن مختبرات «بورتون داون» في ويلتشير، وفقاً للمخابرات البريطانية، كشفت أن الغاز المستخدم في الغوطة لا وجود له في ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية قبل تفكيكها وإغلاق هذا الملف لاحقاً بالتعاون مع الأمم المتحدة.
أحد مسؤولي الاستخبارات الأميركية قال لهيرش آنذاك بوضوح شديد: «أولئك الذين يسعون لجر أوباما للحرب، قاموا باستخدام غاز السارين داخل سورية لاتهام النظام بأنه تجاوز الخطوط الحمراء»، وكشف أن المخابرات الأميركية، والبريطانية كانت على علم منذ ربيع العام 2013 أن بعض الفصائل المتمردة السورية تطور الأسلحة الكيميائية، وأن جبهة النصرة تنتج غاز السارين، وقامت بإجراء تجارب عليه، وقد قامت تركيا والسعودية بتأمين كميات كبيرة من هذا الغاز ودعمت الجهود لإنتاجه داخل سورية، وفي أيار 2013 ألقي القبض في تركيا على شبكة من عشرة أعضاء من «النصرة» وبحوزتهم 2 كيلو غرام من غاز السارين، وكانت الشبكة تعمل على شراء معدات لإنتاج القذائف، والسلائف الكيميائية لغاز السارين، ومن الأسماء التي كُشفت (هيثم القصاب) الذي كان على علاقة مباشرة مع المدعو (عبد الغني) أمير فرع التصنيع العسكري في جبهة النصرة، ومع ذلك أطلق سراح خمسة من الشبكة، وتم التكتم على الملف، والتحقيقات.
استعادة رواية سيمور هيرش، التي نشرت عام 2014، هدفها التذكير بمن يقف خلف تزويد هذه الجماعات الإرهابية، بهذه الغازات السامة، ثم ما أهداف هؤلاء من هجوم خان شيخون الإجرامي بتاريخ 4 نيسان 2017؟
في هجوم الغوطة كما هو واضح مما شرحناه أعلاه، كان المطلوب دفع أميركا لشن عدوان على سورية، وآنذاك تراجع أوباما لخشيته من التداعيات الإقليمية لمثل هذا العدوان، ولاعتراض مسؤولين عسكريين أميركيين على مثل هذه الخطوة، ولوجود انقسام داخل القيادة العسكرية آنذاك، ولكن ما المطلوب الآن من ترامب، مع استخدام العرض الدموي الإجرامي نفسه، وأنواع الغازات نفسها، ضد المدنيين الأبرياء لكن في منطقة أخرى، حيث تُسيطر جبهة النصرة؟
1- وقف اندفاعة وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الرئيس الأسد والنظام السياسي السوري، والقول له: إنه كما ترى «نظام مجرم يقتل شعبه بالكيماوي»، وهي العبارة السحرية التي لم تفارق فم أي مسؤول غربي، أو عميل معارض طوال سنوات، على الرغم من أن كل الأدلة تشير إلى أن من نفذ هجوم الغوطة هي الميليشيات الإرهابية، وداعموها، بدليل ما قاله المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق.
2- التغطية على هزائم المجموعات الإرهابية قرب دمشق وفي ريف حماة، وفشلها الذريع في منح الأميركي، وداعميها أي ورقة تفاوضية ميدانية في جنيف.
3- نسف مفاوضات جنيف، ومسار أستانا لأن الحكومة السورية فتحت آفاقاً واسعة للعملية السياسية، وهم أساساً لا يريدون أي حل سياسي، لا بل إن أي حل سياسي يقوم على إرادة الشعب السوري وعلى مكافحة الإرهاب، سوف يعني بالنسبة لهؤلاء الذهاب إلى مزبلة التاريخ.
4- إن تأكيد وزارة الخارجية السورية أنها نبهت إلى قيام المسلحين بتهريب مواد تستخدم بصناعة الأسلحة الكيميائية من تركيا إلى ريف إدلب الشمالي، يذكرنا برواية سيمور هيرش حول الجهات التي تقف خلف ذلك.
5- وفقاً لرواية المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق فإن الدليل الرئيسي على منفذي الهجوم، ومن يدعمهم يأتي من رصد ردود أفعالهم، وهنا نلاحظ أن «العالم الكيميائي العالمي» محمد علوش (!) انبرى بالحديث عن طرق الوقاية من الغاز السام المتسرب، والذي وصفه بـ«الجديد» على الرغم من أنه موجود في تركيا، أما مراسل قناة جبهة النصرة «الأورينت»، فقد سرب قبل ساعات نبأ الهجوم بالغازات والذي سيقوم بتغطيته!
وإذا أضفنا إلى كل ذلك سُعار الفرنسيين، والبكاء التركي الخليجي الإسرائيلي على الضحايا، نستطيع أن نخلص إلى القول: إنها مسرحية همجية فاشية دموية جديدة لن تُجدي نفعاً، ولن تُغير شيئاً من الواقع المتراجع والمهزوم لجماعات الإرهاب، وداعميها.
وعلى الرغم من أن «خط الجرذان»، وهو الاسم السري لعملية نقل الأسلحة من ليبيا إلى الإرهابيين في سورية عام 2012 بإشراف الـ«سي آي إيه»، لم تحقق لهم أي نتائج سوى التدمير والقتل، فإن ما يجب أن يعرفوه تماماً أنه لا يمكن منع انتصار السوريين على هذا المشروع الفاشي الذي يحاول أن يطل في كل مرة بنسخة همجية إجرامية متنقلاً بين أرجاء الوطن السوري ببصماته السوداء، وإجرامه الذي لا يوصف.
ما بين أوباما وترامب تغير الكثير من الأشياء، وما على من كان به صَمَمُ إلا أن يسمع أصوات السوريين المرتفعة: النصر السوري قادم قادم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن