من دفتر الوطن

البلد ليس ملعب كرة قدم

| حسن م. يوسف 

«أنت متهم ومسؤول بشكل كبير عن التمزق الذي أعيشه، لأنك شاركت في تربيتي. لماذا فعلتم هذا؟ لماذا ربيتمونا كبشر؟ وأنتم تعلمون بلا شك أننا نعيش في مجتمع تسوده الوحوش!».
«أنا اليوم ممزقة أكثر من أي يوم مضى فقد استشهد فجر هذا اليوم الرجل الأكثر طيبة وصفاء في عائلتي، لقد استشهد ابن عمي إثر الضربة الأميركية التي استجلبتها وحوش بلدي. الألم كبير، فساعدني إن كان لديك جواب…».
خلال عملي في الصحافة تلقيت مئات، وربما آلاف الرسائل التي أربكتني وأوجعتني، إلا أن الرسالة التي تلقيتها البارحة من الصديقة سهى خليل والتي افتتحت هذه الزاوية بمقطعين منها، أصابتني بما يشبه الجمدة، لدرجة أنني لم أجرؤ أن أرد عليها مباشرة، إذ لم أشأ أن أقول لها كلاما عاطفيا، يضيف حزنا إلى حزنها، والحق أنني أمضيت ليلتي وأنا أهجس بالاتهام المؤلم والمشرف الذي وجهته سهى لي، وبعد تفكير عزمت أن أتكئ على وجعها الشخصي لتناول الوجع الأم الذي يطول كل السوريين دون استثناء.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها أعداء سورية بشن هجمات على جيشنا الوطني، فقد قامت عصابات التحالف وعلى رأسها إسرائيل، باعتداءات عديدة على بلدنا، لكن هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها العدو الأصيل؛ بالوعة البشرية، أميركا، بانتهاك سيادة الدولة السورية، بإطلاق 59 صاروخاً من طراز توماهوك على قاعدة الشعيرات قرب حمص، وقد أدلى المقاول دونالد ترامب بتصريح أكد فيه أن الضربة «تخدم مصلحة حيوية تتعلق بالأمن القومي» الأميركي.
نعم، مصلحة أميركا! لقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فأعداؤنا التاريخيون الصهاينة والأميركون اخترقوا جسدنا الوطني، بمباركة من بعض السوريين، وهم يتحدثون الآن عن مصالحهم الحيوية في سورية! وقد اتضح لكل من يريد أن يرى، أن ما يجري في بلدنا لا علاقة له بحقوق مواطنينا المفرط بها، ولا بممارسات حكوماتنا الرشيدة، المشغولة بسياراتها الحساسة، بل هو حرب منهجية، الهدف منها تدمير الوطن السوري والدولة السورية.
نعم الألم كبير، ومهمة الألم في الجسد البشري هي لفت انتباه صاحب الجسد لوجود خطأ ما فيه، لذا أستفيد من لحظة الألم الوطني هذه كي أتمنى على نفسي وعلى جميع من يودون أن يوقفوا بازار الدم، ألا يواصلوا المداورة وانتحال دور الضحية، فقد حانت لحظة الحقيقة التي يجب على كل منا فيها أن يسأل نفسه: هل تبرر لي معاناتي وآلامي أن أجعل شخصاً سورياً آخر يشبهني، على الضفة الأخرى يعاني ويتألم مثلي؟
عند هذا الحد سينقسم قراء هذه الكلمات إلى فريقين يلقي كل منهما باللوم على الفريق الآخر، وبصفتي أنتمي لكل ذرة من تراب سورية، اسمحوا لي أن أقول لكل واحد منكم بصراحة:
البلد ليس ملعباً لكرة القدم، أيها السادة! والمسؤولية الوطنية ليست كرة يحاول لاعبو كل فريق أن يدخلوها في مرمى الفريق الآخر، المسؤولية الوطنية يا إخوتي السوريين الشاطرين، موزعة علينا جميعاً بالتساوي بدءاً من إسكافي الأحذية القديمة الذي لم يكن مسؤولاً يوماً إلا عن تأمين لقمته وقوت عياله، نزولاً إلى المفكر المتفلسف الذي يقبع في قاع نفسه الداكنة وهو يظن أنه يحتكر الحقيقة ويتفضل على البشرية بإعطائها طرفاً ضئيلاً من حكمته! المسؤولية الوطنية يا إخوتي، تقتضي أن يضع من بقي لديه ضمير يده على ضميره وأن يفكر بحصته من المأساة الوطنية التي أوصلنا بلدنا إليها.
تعلم أيها السوري أنه لم يبق بيت في سورية لم يذق طعم الألم، بما في ذلك البيوت التي يظن أربابها أنهم جنبوها الألم، عندما اقتلعوها من أساساتها، ونقلوا أرواحها حجراً حجراً، إلى السويد والخليج وفرنسا ومصر وألمانيا.
أيها السوري أرجوك استيقظ واقرأ الرسالة التي وجهتها لك في عام 2005 عبر كلمات شارة مسلسل الحور العين: «إن ما كان فيك تضوي شمعة، لا تشعل حريق، وإن ما كان فيك تواسي دمعة، لا تظلم بريء».
فالسكوت عن الظلم، ظلم آخر. ونسيان الجريمة، جريمة أخرى، والتغاضي عن قتل الأبرياء، قتل آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن