قضايا وآراء

العدوان.. كسر المسارات

| مازن بلال 

أصبح من الصعب قراءة المسار السياسي للأزمة السورية بعد الاعتداء الأميركي على مطار الشعيرات، فالحسابات لا تتعلق بطبيعة تحقيق هذا العمل العسكري لأهداف محددة على الأرض السورية، وقراءته يمكن أن تنطلق بالخلل في الميزان الدولي الذي خلقته الإدارة الأميركية، وأرادت منه جر الجميع إلى عتبة مواجهة خطرة تلغي كل رصيد الإدارة الأميركية السابقة، فالرئيس الأميركي انتقل وبشكل خارج عن المألوف إلى موقع مختلف في الصراع، وأدخل كل الأزمات بما فيها السورية نحو منعطف جديد.
في المقابل فإن التأسيس على تاريخ الأزمة السورية أصبح صعبا، فطوال السنوات السابقة كانت المواقف المتناقضة تجاه ما يجري تعكس وجهات نظر دولية بشأن شكل النظام الدولي، إلا أن هذا التناقض ظهر كاشتباك داخل مجلس الأمن، وأنتج مجموعة صراعات إقليمية كان أبرزها الانقلاب في منظومة الشرق الأوسط، ومع فوز دونالد ترامب بدا العالم أقرب لصياغة نظام مختلف نتيجة الأفكار التي طرحها خلال حملته الانتخابية، لكن ما حدث وعلى الأخص في الاعتداء الأخير على سورية يوضح أمرين:
الأول: أن المجالات المتبدلة للقوتين الأكبر (الاتحاد الروسي والولايات المتحدة) لم تتبلور بعد، فالطرفان تصادما في النهاية على الأرض السورية، ومن الصعب رؤية مجالات إقليمية جديدة لهما، فلقاءات الأستانا لم تستطع بلورة تجمع آسيوي، وفي المقابل فشلت الإدارة الأميركية في إسقاط أفكار الرئيس الأميركي على سياستها الداخلية بالدرجة الأولى.
الحقبة الأميركية الجديدة تشتت قبل أن تبدأ، وهو أمر ربما توقعه البعض ولكن ليس بهذه السرعة، وإخفاق الإدارة الجديدة في رسم إستراتيجية متكاملة بهذا الخصوص حددت خطوط صراع مفاجأة طفت على سطح الحدث عبر الاعتداء الأميركي الأخير.
الثاني: مرتبط بما يمكن أن نسميه «الضبط الإقليمي»، فالتحالفات لكلتا الدولتين على مستوى الشرق الأوسط لا تبدو قادرة على إنتاج منظومة جديدة، فهناك تركيا بتوازناتها القلقة التي تحاول إيجاد تموضع ما ضمن منظومة الشرق الأوسط المتصدعة، وهناك السعودية القائمة اليوم على مجموعة جبهات من اليمن وصولا إلى سورية.
بالنسبة لروسيا فإنها أيضاً موجودة على مساحة من التناقضات الإقليمية، فباستثناء تحالفاتها القوية مع سورية وإيران، فإن حزامها الجنوبي بالكامل هو منطقة صراع، ومن الصعب بناء نظام شرق أوسطي وسط هذا «الانزياح» الكبير في الصراع من سورية باتجاه الشمال، وإمكانية تفجير الاضطراب في عمق آسيا.
اتخذت إدارة ترامب قرارها بالاعتداء لكسر مسارات التوافق القديمة، ورغم أن هذه التوافقات كانت خلال الرئيس السابق باراك أوباما بحدودها الدنيا، لكنها حافظت على جزء من التوازن المنهار دوليا، والمواجهة الأصعب اليوم هي في خط الإدارة الجديد المتبدل وربما غير القادر على تحديد أهداف أساسية من المواجهة.
مسار جنيف بعد الاعتداء الأميركي يبدو في مهب الريح، فرغم إصرار الجميع عليه لكنه يستند حالياً إلى معطيات متقلبة، وهو يضم طرفين سيعكسان حجم التناقض ما بين موسكو وواشنطن، وإذا كان وفد «الهيئة العليا للتفاوض» يملك رغبة دائمة للانسحاب خلال المراحل السابقة، فهو اليوم مزود بخلفية الاعتداء الأميركي، وهو لم يخف تأييده لما حصل لأنه يقدم له مبررات لاستمرار الأزمة.
سنرى في المشهد السياسي الجديد عدم قدرة على ضبط المسار السياسي، فهو مغلف بالغموض وبعدم القدرة على التحكم بالسياسات الإقليمية والأهم أنه لا يستند إلى توازن سياسي حقيقي، فهو أصبح قائماً على التناقض الفاضح بين إستراتيجية موسكو وفوضى الأفكار في واشنطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن